الرابع والعشرين من آذار ….. وماذا بعد

31 مارس 2021
الرابع والعشرين من آذار ….. وماذا بعد

    مروان العمد

  الآن وبعد مرور اسبوع على هذا التاريخ فقد آن الاوان النظر الى احداث هذا اليوم وما سبقه وما هو المتوقع بعده بعين تحليلية وبقدر من الحيادية التي لا تحيد عن الثوابت والتي تتضمن بنفس الوقت حقائق لا بد من ذكرها ووصفها مهما بدا ذلك للبعض قاسياً ومخالفاً لوجهات نظرهم .

 وفي البداية لا بد ان نقول ان احداث هذا اليوم قد مرت بسلام وامان لم يكونا متوقعان قياساً بعمليات التحشيد و التحشيد المضاد والذي وصل الى مرحلة الاعتقاد ان هذا اليوم سيكون فاصلاً ما بين تاريخ وتاريخ في حياة الاردن .

 ثم لا بد من الاقرار بأن بعض المطالب التي دعى اليها بعض من كانوا يحشدون للنزول الى الشارع في ذلك اليوم هي منطقية وصحيحة وعادلة ، لا بل لا بد من الاقرار بأن بعضها هي مطالب غالبية الشعب الاردني ان لم يكن كلهم . الا ان الخلاف كان حول مطالب وطروحات تبناها عدداً من الداعين لهذا التحشيد وحول اسلوب الطرح ووقته والتي لا ارى انها تمثل مطالب وطروحات واساليب المعارضة الاردنية الشريفة والتي هي سوف تظل محل احترام وتقدير من الجميع . ولذا فأنني سوف اخص في حديثي بعض الحراكيين الاردنيين وبعض انصار الربيع الاردني وبعض انتهازيي المعارضة الاردنية الداخلية بالاضافة الى بعض فرسان الفيديوهات من خونة وعملاء ومرتزقة المتواجدين خارج الاردن والذين حاولوا ان يلعبوا على اوضاع الاردنيين الداخلية من بطالة وفقر واحساس بالتهميش وعدم العدالة وسط حالة من انتشار الفساد وضعف الحكومات وتخبطها في قراراتها وانتشار المحسوبية وتوزيع المكاسب على البعض القليل على حساب الاكثرية المهمشة . بالاضافة الى ما رافق انتشار وباء كورونا من إجراءات وقرارات ضيقت على المواطنين مصادر رزقهم وحركتهم فزادت اوضاعهم صعوبة على صعوبة ، ليحولوا كل هذه الاحاسيس والمشاعر الى لهيب غضب يكتسح الشوارع ليحرق الاخضر قبل اليابس .

 لكن ومن مجريات احداث هذا اليوم نجد ان هذه المجموعات التي حصرتها في حديثى قد خاب ظنها ولم تحقق اي هدف من اهدافها وذلك يعود في ظني للاسباب التالية .

١ – التحالف غير المقدس الذي تم ما بين تلك المجموعات مع معارضات الخارج الدون كيشوتية والتي شملت حتى العملاء الصهاينة مثل المدعو مضر زهران والذي تطرحه الصهيونية باعتباره زعيم المعارضة الاردنية ورئيس وزراء حكومة الاردن في المنفى والذي صدّق ذلك واخذ يصدر اوامره للشعب الاردني بالتحرك واسقاط النظام معتقداً انه بعد ذلك ستحمله طائرة غربية لتهبط به في عمان كما فعلت تلك الطائرة التي حملت الخميني الى طهران ذات يوم ، وان الجماهير الاردنية ستكون في انتظاره لتحمله على الاكتاف ليحكم البلاد . لذا وعندما خاب ظنه شن حملته العرمرمية على الشعب الاردني متهماً اياه بالخوف والجبن .

ولا يقول لي قائل ان من كانوا يدعون للنزول الى الشوارع في ذلك اليوم لا يبغون اسقاط النظام انما اصلاحه . وارد عليهم بقولي كم هي الاعتصامات والمسيرات التي قامت بها هذه المجموعات منذ انطلاق الربيع العربي قبل نحو عشر سنوات وكم منها رفعت شعار اسقاط النظام ؟ حتى تلك التظاهرات التي خرجت على اثر حادثة مستشفى السلط المفجعة فقد طالب بعضها بذلك . نعم هم اقليه ولا يمثلون الاردن بعشائره ومدنه واريافه وقراه وهذا سبب رئيسي لعدم المشاركة في هذا التحشيد من جميع فئات الشعب الاردني بما فيهم المعارضة الشريفة والمطالبين بالاصلاح .

 ٢ – التوقيت الذي تمت به الدعوة لهذا التحشيد والذي تزامن مع انتشار جائحة كورونا وارتفاع اعداد الوفيات والاصابات به الى درجة مرعبة ، ووسط ما اصبح يعانية جهازنا الصحي من احتمال انهياره نتجة هذه الزيادة في الاصابات ، وما ممكن ان يؤدي اليه النزول الى الشارع على شكل مسيرات واعتصامات من مخاطر زيادة اعداد الاصابات بالرغم من ادعائهم بالمحافظة على الشروط الصحية التي ثبت عدم امكانية الالتزام بها بشكل مطلق ومن غير وجود مثل هذه التجمعات . ومحاولة هذ المجموعات اللعب على ضيق المواطنين بإجراءات الحظر وتعطيل الاعمال للمطالبة بالغاء قانون الدفاع واوامره بشكل كامل ، وذلك لادراك المواطنين بالرغم مما تسببه لهم قرارات قانون الدفاع و أوامره من ضرر وازعاج ان تنفيذ هذه المطالب امراً غير منطقي ولا مقبول وان كل ما يمكن المطالبة به هو تخفيف اضرار هذا القانون واوامره عليهم ، ولذا فقد ساهمت انتهازية هذه المجموعات في التعامل مع وباء كورونا في عدم مشاركة المواطنين الاردنيين في فعالياتهم .

 ٣ – امر آخر يتعلق بالتوقيت ايضاً فقد تزامن هذا التحرك في الوقت الذي اصبح الاردن يتعرض لمختلف اساليب الضغط والحصار الاقتصادي وتجميد المساعدات له وحتى من بعض اقرب المقربين اليه في محاولة للتأثير على صموده في مواجهة مخططات تصفية القضية الفلسطينية على حساب الشعب الفلسطيني والاردني . وخاصة مع ظهور اصوات معروفة بعمالتها لاعداء الموقف الاردني لتعلن وقوفها مع هذا التحرك على امل ان يصبح عامل هدم في هذا الصمود ، الامر الذي لا يستبعد ان تكون بعض القوى التي تتآمر على الموقف الاردني قد وصلت الى بعض تلك المجموعات او الى بعض افرادها لحرفها عن مسارها من اهداف اصلاحية الى اهداف تخريبية . ويمكن الوصل الى قناعة بحدوث هذا الاختراق من خلال بعض الشعارات والاهداف التي رفعت لهذه التحشيدات ، ليكون ذلك عنصراً آخر في عزوف المواطنين عن المشاركة بها لتخرج بهذا الشكل الباهت الذي خرجت به .

  ٤ – انتهازية بعض قيادات هذه المجموعات التي اشبعتنا بطولات وتهديدات ودعوات للتحشيد والنزول للشارع وعندما حانت ساعة الصفر اختفت في اوكارها ولم تظهر ، لأن هدف هذه الزعامات ان تشحن غيرها ليحرق الشارع فيما هي تنتظر النصر لتصعد على اكتاف الآخرين او لتجعل موقفها سلعة تفاوض به الدولة الاردنية لعلها تعطف عليهم بمنصب هنا او منصب هناك .

  ٥ – تخلي بعض القوى عن دعم هذه الجماعات بعد ان اعلنت تايدها لها ومثال ذلك جماعة الاخوان المسلمين والذين فضلوا ان يمارسوا ما اعتادوا عليه من انتظار حركة الشارع وبعد ان يميل ميزان القوى لصالح هذا الشارع يقومون بتجيرة لصالحهم ، ولذا فأنهم لم يشاركوا في هذه الفعالية وان اصدروا بياناً نفوا فيه اصدارهم اوامر لقواعدهم بعدم المشاركة فيها .

  ٦ – المواقف التي وقفها الكثيرون من ابناء الشعب الاردني واعلانهم رفضهم لهذه الفعاليات سواء من خلال المقالات والمناقشات على مواقع التواصل الاجتماعي والتي شارك بها عدداً كبير من الشخصيات الوازنة والمثقفين والاعلاميين والمواطنين بكافة فئاتهم الذي يخشون على وطنهم خشيتهم على حياتهم والذين دعوا الى محاربة الفساد وانتقدوا الحكومات وممارساتها ودعوا الى اصلاح النهج ولكن دون الخروج على الثوابت ودون النزول الى الشارع في ظل الظروف التي يمر بها الوطن ، وان لم يخلو الامر من البعض الذين حاولوا استغلال الظرف لنشر سمومهم في محاولة لاثارة الشارع والذي اثبت انه اوعى منهم وانه مستعد ان يعض على النواجذ ويتحمل الالم من ان يكون اداة هدم لتنفيذ اجندات المغرضين .

  ٧ – كما تنادت الكثير من الفعاليات الشعبية ومؤسسات المجتمع المحلي والعشائر والاحزاب السياسية لاصدار بيانات لهم يدينون بها الفساد ويدعون لمحاربته وبنفس الوقت يدينون هذه التحركات في هذه الظروف الحرجة والتي تجعلها تحركات مشبوهة لا تخدم الا اجندات اعداء هذا الوطن . وقد تصدى لهذه الفعاليات بعض انصار وزعماء هذه المجموعات وكالوا التهم لمصدري هذه البيانات بأنهم سحيجة ومناصرين للحكومات مع انني حضرت اجتماعات لبعض هذه الفعاليات وسمعت منهم حديثاً عن الفساد والفاسدين ونقداً للحكومات ما لم اسمعه من خلال منابر المعارضة بمختلف اصنافها واشكالها وتسمياتها . وان ولاءهم هو للنظام وليس للحكومات وان هدفهم هو الحرص على سلامة الوطن والمواطن ومحاربة الفساد . فهم في جلهم من ابناء هذا الوطن من عشائر وحراثين وممن اكتووا بنيران البطالة والفقر والظلم ولكنهم لم يتخلوا عن ولائهم للنظام وانهم لو اقتضى الامر سيكونون اسوداً في ميدان الوغى للدفاع عنه وحمايته .

  ٨ – كما ان يقظة الاجهزة الامنية واستعدادها ثم حرفية تعاملها مع الاعداد القليلة التي نزلت الى الشارع اسهمت في افشال اية مخططات لاشعال الفتنة في الشارع الاردني .

           وهكذا ولكل هذه الاسباب كان التحرك الذي تمت الدعوة له في التاريخ المذكور مصيره الفشل التام وحيث اقتصرت المشاركة به على اعداد لا تتجاوز العشرات هنا اوهناك .

              الا ان ذلك لا يعني ان محاولات الحراكيين قد انتهت ولا يعني ان المطالبات بالاصلاح سوف يخفت صداها وصوتها . ولا يعني ان يركن التيار المعارض للاصلاح الى ان الامور قد مرت عليهم بسلام . لأنه وبفضل هذا اليوم فقد توحدت مطالب جميع الاردنيين موالاة ومعارضة بضرورة الاصلاح الفوري ومحاسبة الفاسدين وتغير النهج المتبع بتشكيل الحكومات وفي التعين بالمناصب العليا وبضرورة العمل على محاربة البطالة والقضاء على جيوب الفقر وتعديل الكثير من القوانين الناظمة لامورنا السياسة والحياتية مثل قانون الاحزاب وقانون الانتخابات مما يوصلنا الى الحكومات البرلمانية الحزبية . وخاصة ان هذه هي مطالب وتوجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين . فلنضع ايادينا بيديه و لننطلق نحو اردن المستقبل من خلال حوار وطني عام تشارك فيه جميع قوى الشعب الاردني ومكوناته بهدف الوصول الى خارطة طريق تخرجنا مما نحن فيه الى غد افضل

    وعاش الاردن وعاش شعب الاردن وحفظ الله جلالة الملك وامد في عمره .

    مروان العمد

 ٣١ / ٣ / ٢٠٢١