شرشبيل

8 مارس 2021
شرشبيل

بقلم : سهل الزواهره

من مِنا يجهل ذلك العجوز الماكر بِردائهِ الأسود المُهلهل و حذائه الأحمر شرشبيل يتبعهُ قطهُ البُرتقالي هرهور للظفرِ بالسنافر المُسالمين و قريتهم الصغيرة بطيبتها و زعرورها .
لا أدري لما في هذا الصباح الذي بدا رتيبًا وأنا أحتسي قهوتي الصباحية داهم هذا الخاطر الطفولي الساحر عقلي المُشبع بِحيرةٍ فرضتها عليه الأحداث التي تتلاعب بالقرية في هذه الأيام الحُبلى باللغط ، العقيمة على الفهم، الممتلئة تدويرًا عبثيًا ، فالمرء مِن تدافع التناقضات أُرهقت عيونُه و ملَّ يَراعه وبات كأنما وُلد أمس .
وهنا قفزت تلك الفكرة التي أَبقت الأُمورَ رغم غرابتها في سياقها الراسخ الذي لا فَكاك منه و لا نجاةَ ما دُمنا نَتعشَّق تُرابَ قريتنا و ما دام شرشبيل الخبيث يَتمثَّل لنا في كل حين يبغي هدمها و الظفر بجسدنا الأزرق النحيل .
ياالله كم من صورة يتمثل بها ذلك الشرشبيل في وطني المُهدد!!! و كأنهُ خُلق لنا أو ربما خُلقنا له ، فاسدٌ يتعملق و سمسارٌ يتألق و فاشلٌ يتسلق و مُرائي يتملَّق و مُقدرات تُسرق و السدنة ليس على ألسنتهم المدلوعة إلاَّ عبارات التمجيد والتبريك و الحمد و المقارنة ، و كأنَّ قدَر قريتنا أن تُسلَّم إلى شرشبيل و قطهِ الأُحيمق دون اعتراض أو ضجيج .

أين الخلل ، هل هو ضعف مُزمن أَوهمونا أنه قوة أم قوة أصابها الحول حتَّى فقدت التمييز فراحت تضرب في أرزاقنا و آمالنا كجلاَّدٍ استفرد بِجلد رَجلٍ مُوثق و راحَ يصبُّ عليه الأسواط صبَّا، و ممنوع على المجلود صُراخ أو حتى غضب .
قرية ضاعت ثروتها في غفلةٍ من أهلها ، و شُرِّدَ بَنوها في ليلٍ لا قمر فيه و لا دار، فباتوا صرعى كأعجاز نخل على قوارع الفقر و الوهم، و لا أمل لديهم إلا في حلم في رحمٍ مضطرب، حُلمٌ سيأتي ليُنهي بؤسًا طال و استطال .

نعم كل شباب قريتنا لديه حُلم ، حُلم على من أَضاع القرية أن يدفن نفسه في تراب العار و الخزي لو علم ذلك الحلم الأسود ، حُلم شباب قريتنا يتلخص في كلمةٍ واحدةٍ دون فلسفةٍ أو تنظير “الرحيل” ، نعم الرحيل إما موتًا أو هجرةً، هذا أضحى حُلمهم بعد أن فقدوا الأمل بدواوين القرية و بشيوخها .
تبًا لمن أسقط الأوطان في عيون أبنائها ، تبًا لمن ابتدع سياسة التكريه الممنهج لكل ما هو جميل في قريتنا الوادعة ، فغدا الشيح شُح و أضحت الحِناء بلاء ، يريدون فيه العشيرة كَسيرة باسم التمدن المشبوه، و السيداو دين جديد مفروض على قريتنا و له على كل رأس طريق مُبَشِّر و علامة، يُريدون تسليم القرية بعد أن جوِّع الأهلون و بيع المخزون و فرطوا بالماء و لوثوا السماء .
يا شباب القرية لا تستنفروا بحياتكم و اعلموا أنَّ هذه القرية مهما خربت و ضاق رحبها تبقى قريتكم و أساسها عظام الجدود و نفس الآباء ربيعُها، و لا يأخذنكم الندم يوما أنكم فتحتم أرضكم و مخازنكم لكل سنفور فارٍ بِجلده أو مُضطهد في قريته و لو باع بعضهم شرشبيلُ نفسَهُ، و راحوا يطلقون موسيقاهم النشاز المبشرة بتبديل القرى و استكثارها على اهلها، و اعلموا أن شرشبيل و سحره و هره و طابوره الخامس مهما تمكنوا و مهما جدفوا صوب تيارات التوطين و التطبيع فهُم الى زوال وكيدهم الى ضلال، و سيعود الشيح فوَّاحًا يُعانق أُنوفًا شامخةً لن تزول عِزتُها ما دام في صحراءها غُبار و ما دامَ كفُ التاريخ يربت على كتِفها المُقدس .