هَلِ الإِنسَانُ وَحْشِيٌّ بِالطَّبْعِ؟ حَضَارَةُ القَتَلَةِ وَالمَقْتُولِينَ

4 ساعات ago
هَلِ الإِنسَانُ وَحْشِيٌّ بِالطَّبْعِ؟ حَضَارَةُ القَتَلَةِ وَالمَقْتُولِينَ

د. عادل يعقوب الشمايله

عِنْدَمَا تَرَى شَخْصَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ يَتَقَاتَلَانِ، أَوْ إِخْوَةً يَكْرَهُونَ بَعْضَهُمْ البَعْضَ أَوْ يُقَاطِعُونَ بَعْضَهُمْ، عِنْدَمَا تَرَى عَلَى التِّلْفَازِ وَوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ مَشَاهِدَ القَتْلِ وَالتَّدْمِيرِ فِي المَعَارِكِ الحَقِيقِيَّةِ، أَوْ تُشَاهِدَهَا فِي أَفْلَامٍ سِينِمَائِيَّةٍ، عِنْدَمَا تَقْرَأُ فِي كُتُبِ التَّارِيخِ عَنِ الحُرُوبِ بَيْنَ الشُّعُوبِ أَوْ بَيْنَ جُيُوشِ السَّلَاطِينِ وَالأُمَرَاءِ، وَحُرُوبِ المِيَاهِ بَيْنَ البُدُو ثُمَّ بَيْنَ الدُّوَلِ، عِنْدَمَا تَسْمَعُ عَنْ عِلَاقَاتِ الجِيرَانِ وَسُلُوكِيَّاتِ مَنْ يَقُودُونَ السَّيَّارَاتِ فِي الشَّوَارِعِ، عِنْدَمَا تَرَى الأَيْتَامَ وَالأَرَامِلَ، عِنْدَمَا تَتَذَكَّرُ أَنَّ قَابِيلَ قَتَلَ أَخَاهُ هَابِيلَ لا لِذَنْبٍ اقْتَرَفَهُ بَلْ حَسَدًا أَوْ غَيْرَةً، عِنْدَمَا تَعُودُ إِلَى ذَاكِرَتِكَ رِوَايَةَ طَرْدِ هَاجَرَ وَابْنِهَا الطِّفْلِ إِسْمَاعِيلَ مِنْ بَيْتِ الأَبِ وَالزَّوْجِ، ثُمَّ يُلْقَى بِهِمَا فِي وَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ فِي صَحْرَاءِ سِينَاءَ حَسَبَ التَّوْرَاةِ، أَوْ فِي مَكَّةَ حَسَبَ رِوَايَاتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عِنْدَمَا تُشَاهِدُ أَوْ تَقْرَأُ عَنْ أَسْلِحَةِ الدَّمَارِ الشَّامِلِ الَّتِي صَنَعَهَا وَطَوَّرَهَا وَيَسْتَخْدِمُهَا الإِنسَانُ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَالجَوِّ لِإِبَادَةِ إِخْوَتِهِ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَأَنَّ مَا لَدَى كُلٍّ مِنْ أَمِيرِكَا وَرُوسِيَا وَحْدَهُمَا مِنْ قَنَابِلَ نَوَوِيَّةٍ يَكْفِي لِتَدْمِيرِ الكُرَةِ الأَرْضِيَّةِ سِتًّا وَعِشْرِينَ مَرَّةً، عِنْدَمَا تَقْرَأُ فِي التَّوْرَاةِ وَمُلْحَقَاتِهَا عَنِ المَذَابِحِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا اليَهُودُ بِسُكَّانِ أَرِيحَا وَمَا تَلَاهَا مِنَ القُرَى لاِحْتِلاَلِ أَرْضِهِمْ تَنْفِيذًا لِوعد الهي، بَدَلًا مِنْ أَنْ يَكُونُوا رُسُلَ هِدَايَةٍ وَأُخُوَّةٍ وَشُرَكَاءَ فِي الإِيمَانِ الذي جاء به موسى لا ليقتصر على بني اسرائيل بل ليشمل جميع غير الموحدين، وَشُكْرًا لِشَعْبِ كَنْعَانَ الَّذِي اسْتَضَافَ النَّبِيَّ إِبْرَاهِيمَ وَأَبْنَاءَهُ وَأَحْفَادَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، عِنْدَمَا تَقْرَأُ عَنْ قَتْلِ الأَنْبِيَاءِ وَالعُلَمَاءِ وَالمُفَكِّرِينَ وَالأُدَبَاءِ وَالفَلَاسِفَةِ عُقُوبَةً عَلَى آرَائِهِمْ، عِنْدَمَا تُشَاهِدُ رَدَّاتِ الفِعْلِ الإِجْرَامِيَّةِ لِرِجَالِ الشُّرْطَةِ فِي شَوَارِعِ العَالَمِ ضِدَّ المُتَظَاهِرِينَ الَّذِينَ يخَرَجُون يُطَالِبُونَ بِحُقُوقِهِمُ المَشْرُوعَةِ بَعْدَ أَنْ يطَفَحُ بِهِمُ الكَيْلُ مِنَ الظُّلْمِ وَالفَقْرِ وَالاسْتِبْدَادِ وَالفَسَادِ، بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَيْكَ أَنْ تَتَذَكَّرَ الآيَةَ القُرْآنِيَّةَ الَّتِي رَوَتْ رَدَّةَ فِعْلِ المَلَائِكَةِ عَلَى مَشْرُوعِ خَلْقِ آدَمَ:
﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾؟
عِنْدَهَا يَجِبُ أَنْ نَسْتَنْتِجَ الاِسْتِنْتَاجَ الصَّحِيحَ الَّذِي يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ أَسَاسًا سَلِيمًا لِمَا سَيُبْنَى عَلَيْهِ وَيَتَنَاسَبُ مَعَهُ.
فَالإِنسَانُ – كَمَا فَهِمَتْهُ وَوَصَفَتْهُ المَلَائِكَةُ – هُوَ كَائِنٌ مُتَوَحِّشٌ، مُجْرِمٌ، فَاسِدٌ، قَاتِلٌ بِالطَّبْعِ، وَلَيْسَ بِالتَّطَبُّعِ، وَلَا لِلضَّرُورَةِ.
وَقَدْ أَثْبَتَ تَارِيخُ البَشَرِيَّةِ المَكْتُوبُ وَالمَرْوِيُّ تِلْكَ الحَقِيقَةَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ دَفَّتَي كُتُبِ التَّارِيخِ إِلَّا قِصَصٌ وَرِوَايَاتُ الحُرُوبِ وَالغَزَوَاتِ وَالاِحْتِلَالِ وَالقَتْلِ وَالغَنَائِمِ وَالإِبَادَةِ وَالاِسْتِعْبَادِ وَسَبْيِ النِّسَاءِ وَالغِلْمَانِ وَأَسْوَاقِ النِّخَاسَةِ والاستغلال لِلْمُتْعَةِ الجِنْسِيَّةِ السَّادِيَّةِ.
هَذَا الوَاقِعُ التَّارِيخِيُّ غَيْرُ القَابِلِ لِلدَّحْضِ يُثْبِتُ أَنَّ الإِنسَانَ كَانَ وَلَا زَالَ وَسَيَسْتَمِرُّ أَكْثَرَ المَخْلُوقَاتِ هَمَجِيَّةً وَتَوَحُّشًا وَإِجْرَامًا وَطَمَعًا، وَخَلْوًا مِنَ الأَخْلَاقِ وَالضَّمِيرِ.
فَالإِنسَانُ حريٌ أن يوصفَ بأنهُ “وَحْشُ الوُحُوشِ”.
لِذَلِكَ، فَإِنَّ مَا وَرَدَ فِي القُرْآنِ مِنْ بَيَانٍ عَنْ مَآلِ الإِنسَانِ فِي الحَيَاةِ الآخِرَةِ مِنْ أَصْنَافِ العَذَابِ فِي جَهَنَّمَ وَالسَّعِيرِ، لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِكَائِنٍ كَانَ لَدَيْهِ قَدْرٌ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّحْمَةِ وَاللُّطْفِ وَالصِّدْقِ وَالتَّسَامُحِ وَالمَحَبَّةِ.
لَا يُمْكِنُ لِكَائِنٍ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، مَهْمَا كَانَ حَجْمُهُ وَبَطْشُهُ، أَنْ يَتَحَمَّلَ عَذَابَ النَّارِ الَّذِي وَرَدَ وَصْفُهُ فِي القُرْآنِ وَالأَحَادِيثِ. فَهُوَ يُشْبِهُ إِطْلَاقَ قُنْبُلَةٍ نَوَوِيَّةٍ لِاصْطِيَادِ عُصْفُورٍ كَانَ يُمْكِنُ اصْطِيَادُهُ بِطَلْقَةِ خَرْطُوشٍ أَوْ بِحَصَاةٍ تُطْلِقُهَا «نُقَيْفَةٌ».
أَمَّا صُورَةُ الجَنَّةِ، فَإِنَّهَا مُحَاوَلَةٌ لِإِغْرَاءِ ذَلِكَ الكَائِنِ المُتَوَحِّشِ السَّفِيهِ الهَمَجِيِّ لِلْقِيَامِ بِثَوْرَةٍ بَيْضَاءَ عَلَى نَفْسِهِ تُخْرِجُهُ مِنْ طَبِيعَتِهِ، وَلِذَلِكَ هُنَاكَ شِبْهُ إِجْمَاعٍ عَلَى قِلَّةِ الفَائِزِينَ بِهَا.
تُثْبِتُ الطَّبِيعَةُ أَنَّ الحَيَوَانَاتِ أَرْقَى أَخْلَاقِيًّا مِنَ الإِنسَانِ.
هَذِهِ الحَقِيقَةُ لَا يَنْفِيهَا أَنَّ قُوَّةَ عَقْلِ الإِنسَانِ وَمَكْرَهُ مَكَّنَاهُ مِنَ التَّفَوُّقِ عَلَى الحيوانات وَتَسْخِيرِهَا لِخِدْمَةِ نَفْسِهِ.
فَالحَيَوَانَاتُ وَسَائِرُ الكَائِنَاتِ الحَيَّةِ لَا تُوجَدُ لَدَيْهَا مَدَارِسُ وَجَامِعَاتٌ تُعَلِّمُهَا ضَرُورَاتِ التَّعَايُشِ المُشْتَرَكِ وَسُلُوكِيَّاتِ العَيْشِ المُشْتَرَكِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا تُوجَدُ لَهَا مَحَاكِمُ بِمُحَامِينَ وَقُضَاةٍ وَشُرْطَةٍ وَسُجُونٍ.
يَتَعَايَشُ البَقَرُ وَالحَمِيرُ وَالخُيُولُ وَالبِغَالُ وَالمَاعِزُ وَالأَغْنَامُ وَالكِلَابُ وَالفِيلَةُ وَالجِمَالُ فِي بِيئَةٍ وَاحِدَةٍ دُونَ مَشَاكِلَ، وَلَا جَاهَاتٍ، وَلَا عَطَوَاتٍ، وَلَا دِمَاءَ تَسِيلُ.
يَقُولُ القُرْآنُ الكَرِيمُ:
﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾.
المُشْكِلَةُ هُنَا أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا قِلَّةٌ، وَأَنَّ مَنْ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ مِنْ بَيْنِهِمْ نُدْرَةٌ.
لِذَلِكَ، فَإِنَّ عُمُومَ النَّاسِ، أَكْثَرِيَّةَ النَّاسِ، هُمُ الَّذِينَ حُوِّلُوا إِلَى أَسْفَلِ سَافِلِينَ حَسَبَ النَّصِّ القُرْآنِيِّ.
وَيَقُولُ القُرْآنُ الكَرِيمُ: ﴿قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ﴾،
وَيَقُولُ: ﴿خُلِقَ الإِنسَانُ عَجُولًا﴾،
وَيَقُولُ: ﴿إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الخَيْرُ مَنُوعًا﴾،
وَيَقُولُ: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ﴾،
وَيَقُولُ: ﴿خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾،
وَيَقُولُ: ﴿وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولًا﴾.

وَهَلْ هُنَاكَ أَسْوَأُ مِنَ الوَصْفِ القُرْآنِيِّ التَّالِي لِمُجْتَمَعٍ يَعِيشُ وَسْطَهُ وَيَقُودُهُ وَيُوَجِّهُهُ نَبِيٌّ؟
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ﴾. هَذَا تَصَرُّفُهُمْ مَعَ الرَّسُولِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَاتِّهَامُهُ بِعَدَمِ العَدْلِ فِي تَوْزِيعِ الصَّدَقَاتِ.
وَطَبْعًا، هَذِهِ الآيَةُ تُصَوِّرُ طَمَعَ الإِنسَانِ وَجَشَعَهُ وَحُبَّهُ المُفْرِطَ لِلْمَالِ، حُبًّا يُخْرِجُهُ مِنْ جَمَاعَةِ المُؤْمِنِينَ.
وَيَقُولُ القُرْآنُ:
﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ﴾،
وَيَقُولُ أَيْضًا:
﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا﴾.

الخُلَاصَةُ:
إِنَّ النَّظْرَةَ إِلَى الإِنسَانِ – كَمَا وَرَدَتْ أَوْصَافُهُ فِي القُرْآنِ مِنْ خَالِقِ الإِنسَانِ – تَتَطَلَّبُ إِعَادَةَ تَقْيِيمٍ.
لهذا، مِنَ الضَّرُورِيِّ التوجهُ لتعديلِ فَلْسَفَةِ التَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ وَالمَنَاهِجِ الدِّرَاسِيَّةِ وَالتَّشْرِيعَاتِ القَانُونِيَّةِ لِتَتَنَاسَبَ مَعَ هَذَا الكَائِنِ، بِمَا يَتَوَافَقُ مَعَ طَبِيعَتِهِ الحَقِيقِيَّةِ، وَلَيْسَ حَسَبَ مَا تَوَارَثْنَاهُ وَقَرَأْنَاهُ مِنْ أَوْصَافِ الشُّعَرَاءِ وَالمِثَالِيِّينَ.