د. محمد عبدالله القواسمة – نصيحة… قصة قصيرة

30 ثانية ago
د. محمد عبدالله القواسمة – نصيحة… قصة قصيرة

وطنا اليوم:د. محمد عبدالله القواسمة

يتذكر قبل زمن طويل عندما حصل على شهادة البكالوريوس، أنه وصل إلى مدرسة النهضة الثانوية الخاصة في نهاية فترة الاستراحة، بعد الحصة الثالثة. كان الطلاب يقبلون من الملعب الصغير. شاهد المدير عليان ببذلته السوداء بالباب يصيح بالطلاب أن يسرعوا في الدخول إلى غرفهم الصفية. صاح به:

– أسرع يا باشا!

استمر في مشيه. لم يتوقف عن الصياح:

– تريد المدرسة أن تأتي إليك يا زعيم؟

ربما أدرك حين اقترب أنه ليس من الطلاب، فتجاهله والتفت إلى الطلاب المتأخرين وحثهم على أن يسارعوا إلى نيل العلم. عندما وصل إليه صافحه بقوة حتى يشعره بأنه ليس طالبًا، فبادره:

– نعم تفضل.

أجابه بثقة:

– قرأت في الصحف إعلانًا بأن مدرستكم بحاجة إلى معلم في اللغة العربية. جئت كي أتقدم لهذه الوظيفة.

نظر إليه من أعلى إلى أسفل. ثم سأله بجمود:

– شهادتك من أية جامعة؟

– من جامعتنا الوطنية.

– متى تخرجت؟

– هذا العام.

هدأ صوته، وقال بلهجة ناصح:

– يا ابني! شهادتك لا تنفعك.

أجابه بنبرة واثقة:

– لكنها مؤشر إلى أني مؤهل للعمل في التدريس.

قال بضجر:

– ليس لدي وقت أضيعه. تحتاج إلى خبرة لا تقل عن ثلاث سنوات.

تركه في هم وحزن. ولم يشأ أن يوقف سيارة لتقله إلى مكان آمن. من أين الخبرة إذا رفض من هذا المدير وأمثاله؟ وهل مهنة التدريس تحتاج إلى خبرة كمهن النجارة والحدادة والطبابة؟ ألا يكفي فهم الإنسان لتخصصه حتى يشرحه للآخرين؟

واصل المشي. انتهى إلى وسط المدينة دون أن يحس بالتعب. انتبه إلى صوت يناديه باسمه. توقف ليرى صديقه طارق الذي تخرج من قسم اللغة الإنجليزية في السنة نفسها التي تخرج فيها. أحس بارتياح عند رؤيته؛ فانطلق يشكو ما حدث له مع عليان مدير مدرسة النهضة، ويصفه بأنه لا يصلح ليكون مدير مدرسة بل راعي غنم أو حارس اصطبل أو حظيرة. ضحك طارق:

– هل تعلم بأنه مديري وأني أعمل معلمًا للغة الإنجليزية في مدرسة النهضة نفسها منذ بداية السنة الدراسية؟

– كيف تتعايش مع هذا المدير؟

– ما العمل؟ هذا حال التعليم في كثير من مدارسنا الخاصة.

– لم أغضب؛ لأنه لم يكن إنسانًا حين رفض توظيفي في مدرسته. لكني غضبت أشد الغضب حين أصدر حكمه على شهادتي بأنها لا تنفع.

سأل بسخرية:

– كيف يجرؤ أن يقول ذلك؟

– ما الذي يمنعه؟ رجل غني، وصاحب المدرسة يقول ما يشاء، لا أحد يرده بل يجد من يصدقه دائمًا. وإذا تكاثرت عليه الانتقادات يلجأ مع أنصاره لوضع القوانين والتعليمات للوقوف إلى جانبه. القوانين وجدت لتسهل على الأقوياء امتصاص دم الضعفاء.

– إلى حد ما يا صديقي. لكن مشكلة هذا العليان أنه لا يحمل شهادة التوجيهي، وقدم لها أكثر من مرة، ويرسب في مواد كثيرة في مقدمتها اللغة الإنجليزية. أخيرًا قرر الهروب إلى التوجيهي المصري، الذي يلجأ إليه عادة من يصعب عليه التوجيهي الأردني. ها هو يتهيأ للذهاب إلى مصر لتقديم امتحان التوجيهي المصري في آخر الشهر.

لعل طارق شعر بأن صديقه، يكاد بفقد عقله مما سمع عن عليان، فوضع يده على كتفه، وقال بلطف وحنو:

– لن أنسى، مهما كان الثمن، تذكير عليان بأن يعالج نفسه من العقد النفسية، ويحترم الناس جميعهم، ولكن الآن دعنا ننس ما حدث، ونجلس في مقهى قريب.