المخالفات المرورية… بين حفظ الأرواح واستنزاف الجيوب

41 ثانية ago
المخالفات المرورية… بين حفظ الأرواح واستنزاف الجيوب
بقلم: عوني الرجوب
باحث وكاتب سياسي
كثيرًا ما يُقال إن المخالفات المرورية ووجود الكاميرات على الطرقات هدفها الأول حماية حياة المواطن والحد من الحوادث. لا أختلف مع هذا المبدأ إطلاقًا، فحياة الناس أغلى ما نملك، والنظام المروري ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها. 
لكن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل تطبق هذه التعليمات والرقابة فعلًا من أجل السلامة العامة، أم أنها تحولت إلى وسيلة جباية تثقل كاهل المواطن البسيط؟
تناقضات تثير التساؤل
من غير المنطقي أن نجد طريقًا مفتوحًا بانحدار بسيط تحدد فيه السرعة القصوى بـ 60 كم/ساعة، بينما نجد طرقًا أخرى ذات طلوع حاد مسموح بها بسرعة 80 أو حتى 90 كم/ساعة! هذا التناقض يجعل السائق في حيرة، ويشعر أن الغاية ليست تنظيم المرور بقدر ما هي اصطياد المخالفات.
كاميرات مخفية أم كمائن مالية؟
لا أحد ينكر أن وجود الشواخص التحذيرية والكاميرات المرئية يحمي السائقين ويجعلهم أكثر التزامًا، لكن عندما توضع كاميرات مخفية أو سيارات سرية في أماكن غير متوقعة، فإن الأمر يبدو أقرب إلى “الفخاخ” منه إلى الرقابة الوقائية. هنا يفقد المواطن ثقته بالمنظومة المرورية، ويبدأ بالاعتقاد أن الهدف هو الجباية لا الحماية.
من يستحق المخالفة؟
ليس كل تجاوز للسرعة يعني تهورًا أو خطرًا. فعندما تكون السرعة المقررة 60 كم/ساعة على أوتوستراد مفتوح ويكون عداد السائق 70 او 75 كم/ساعة والطريق آمن ، فهذا لا يُعتبر جنونًا، بل سرعة معتدلة لا تعرض الأرواح للخطر.
المخالفات الحقيقية يجب أن تركز على:
•من يقود بسرعة جنونية تتجاوز الحدود بأضعاف.
•من يتخبط بالقيادة ويقوم بالحركات البهلوانية.
•من يرفع صوت الراديو لأقصى درجة ويزعج الآخرين.
•من يحول الطريق إلى ساحة سباق.
. من يشارك بالأعراس على الطرق الرئيسيه ويغلقها امام سيارة اسعاف او موظف قد يتأخر عن دوامه بسبب هذه الأفعال
. من يتجاوز الكاميرات دون حق مشروع ويسبب الحوادث
هؤلاء هم الذين يستحقون المخالفة والمساءلة، لأنهم يهددون حياة الناس فعلًا، 
بينما السائق المعتدل لا ينبغي أن يُعاقب لمجرد زيادة طفيفة على العداد.
المواطن بين المطرقة والسندان
المواطن الذي لا يتجاوز راتبه الشهري 400 دينار يجد نفسه محاصرًا من كل اتجاه:
•صيانة السيارة وتكاليفها التي لا تقل عن 400 – 1000 دينار سنويًا.
•رسوم الترخيص والتأمين بما لا يقل عن 300 – 400 دينار.سنويا
•مخالفات سير قد تصل إلى 1000 دينار، وأقلها 100 – 400 دينار.سنويا
•أقساط شهرية للبنك لا تقل عن 300 دينار.
وفي نهاية المطاف، إذا عجز عن ترخيص سيارته بسبب ضيق الحال، يجد نفسه ملاحقًا بالحجز على سيارته والمطاردة. والأسوأ من ذلك أنه أصبح ممنوعًا حتى من الاعتراض على المخالفة أو مناقشتها، وكأنها قدر لا مفر منه.
الحل… عدالة لا جباية
المطلوب ليس إلغاء النظام ولا إضعاف القانون، بل إعادة النظر في آلية تطبيقه:
نحترم القانون ونعمل على تطبيقه 
•أن تكون حدود السرعة منطقية وتتناسب مع طبيعة الطريق.
•أن تسبق الكاميرات لافتات واضحة تُعطي السائق فرصة للتقيد. ولا  تختفي الكاميرا بين الشجر
•أن تُركز العقوبات على السلوكيات الخطرة فعلًا لا على التجاوزات البسيطة.
•أن يُتاح للمواطن حق الاعتراض والمراجعة في حال شعر بالظلم.
المواطن لا يريد سوى العدل. نحن نؤمن بضرورة النظام ونحترم القانون، لكننا نرفض أن يتحول إلى أداة استنزاف. المطلوب اليوم هو توازن بين حماية الأرواح وحماية الجيوب، فالمواطن من حقه أن يعيش كريمًا، وأن يسير على الطرق وهو مطمئن أن القانون يُطبق لحمايته لا لإرهاقه