بقلم حيدر حجازين
من السهل أن تجلس خلف شاشة أو على منبر وتتهم الأردن بالخيانة أو التآمر، لكن الأصعب أن تتحمل عبء قضية ليست داخل حدودك، وتدفع من دمك واقتصادك وأمنك لأجلها، كما فعل الأردن منذ 1948 وحتى اليوم.
في حرب 1948، الجيش العربي الأردني قاتل حتى الرمق الأخير على أسوار القدس وفي أزقة نابلس والخليل. جنوده سقطوا شهداء، ودماؤهم روت أرض فلسطين، قبل أن يولد كثير ممن يصرخون اليوم ويتهمون.
الأردن فتح حدوده بلا أسلاك شائكة، استقبل مئات الآلاف من اللاجئين، منح كثيرًا منهم الجنسية، وفتح لهم المدارس والمستشفيات والعمل، ولم يضعهم في مخيمات معزولة أو يتاجر بمعاناتهم.
منذ اليوم الأول، الأردن أعلنها: القدس خط أحمر، حق العودة خط أحمر، ورفض الوطن البديل رفضًا قاطعًا. واجه الضغوط والمشاريع المشبوهة، وحمى المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس رغم التهديدات.
الخيانة ليست أن تحمي بلدك وتتصرف بحكمة، الخيانة هي أن ترفع شعار المقاومة بينما أنت عاجز أو متواطئ أو تستخدم القضية لتحقيق مكاسب سياسية.
غزة… بين الشعارات والواقع
الأردن لم يغلق بابه عن غزة يومًا، لكن منذ أن سيطرت حماس على القطاع عام 2007، دخلت غزة نفق الانقسام والاقتتال الداخلي. بدلاً من وحدة الصف، شهدنا قمع الأصوات المعارضة، وتقديم الولاء للمحاور الإقليمية على حساب المصلحة الوطنية الفلسطينية.
أهل غزة يعيشون بين حصار خانق من الاحتلال، وإدارة داخلية ضيّقت عليهم حياتهم، ومع كل جولة تصعيد تُدمر البيوت ويُقتل الأبرياء، ثم تُرفع رايات النصر في الشاشات بينما الواقع لم يتغير.
الأردن ظل يرسل المساعدات الطبية والإنسانية، ويدعو للمصالحة الفلسطينية، ويطالب برفع الحصار. لكن الحقيقة أن الانقسام بين غزة والضفة، وانفراد فصيل واحد بقرار الحرب والسلم، أضعف الموقف الفلسطيني، وخدم الاحتلال أكثر مما أضرّه.
الأردن… صبر طويل وموقف ثابت
الأردن اليوم يواجه اقتصادًا مثقلًا وأمنًا هشًا بسبب استمرار النزاع، لكنه لم يساوم ولم يغير موقفه. من لم يقدم دمًا أو تضحية لا يحق له أن يزاود على بلد قدّم شهداء على أسوار القدس، وحمى اللاجئين، ووقف بوجه مشاريع تصفية القضية.
إلى من يزاودون: قبل أن تتكلموا، اذهبوا واقرؤوا أسماء شهداء الجيش العربي الأردني، وانظروا في عيون أبنائه الذين ما زالوا حتى اليوم يحمون المقدسات ويقفون في وجه التهويد. من لم يضحِ لا يملك حق المزاودة على من ضحّى.
ودمتم بخير