حيدر مبارك حجازين
منذ عام 2012 وحتى يومنا هذا، يعيش المتقاعدون المدنيون في الأردن واقعاً صعباً يكاد يصل إلى حد الإهمال الرسمي. ثلاثة عشر عاماً مرّت دون أن تضاف فلس واحد إلى رواتبهم التقاعدية، في وقت تضاعفت فيه تكاليف المعيشة، وارتفعت أسعار السلع والخدمات بشكل جنوني، وتآكلت القدرة الشرائية للمواطن بشكل غير مسبوق.
كيف يُعقل أن تبقى رواتب المتقاعدين المدنيين جامدة طيلة هذه السنوات بينما كل شيء من حولهم يتغير صعوداً؟ أين الحكومة؟ أين العدالة الاجتماعية؟ أليس من حق من خدموا الدولة عشرات السنين أن يحظوا بحد أدنى من الكرامة في شيخوختهم؟
الأدهى من ذلك أن التعديلات التي أُدخلت على قوانين التقاعد المدني خلقت تشوهاً صارخاً في فروقات الرواتب بين المتقاعدين أنفسهم، فأصبح هناك فوارق غير منطقية بين من تقاعدوا في فترات مختلفة، وكأن مقياس العدالة مرتبط بتاريخ الخروج من الوظيفة لا بالجهد الذي بذل أو الخدمة التي قُدمت.
هذا التمييز والتجاهل يترك آثاراً اجتماعية ونفسية خطيرة؛ فالمتقاعد الذي أفنى عمره في خدمة الدولة يشعر اليوم أنه مهمل، وأن ما يتقاضاه لا يكفي حتى لأبسط مقومات الحياة من دواء وغذاء وفواتير. وفي المقابل، نرى رواتب ومكافآت خيالية تُصرف في مواقع أخرى من دون حسيب أو رقيب، وكأن ميزان الدولة يختل عندما يصل الحديث إلى حقوق صغار المتقاعدين.
إن استمرار الحكومة في غضّ الطرف عن قضية المتقاعدين المدنيين ليس مجرد تقصير إداري، بل هو ظلم واضح وإجحاف بحق شريحة قدّمت الكثير. وإذا كانت الحكومة عاجزة عن توفير زيادات عادلة خلال 13 عاماً كاملة، فما الذي تنتظره؟ هل يُعقل أن يظل آلاف المتقاعدين يعيشون على فتات رواتب ثابتة بينما غلاء المعيشة يلتهم كل شيء؟
المطلوب اليوم قرار سياسي شجاع يعيد الإنصاف لهذه الفئة، ويقرّ زيادات عادلة ومنتظمة تواكب التضخم، مع مراجعة التشوّهات التي خلّفتها تعديلات القوانين. فكرامة المتقاعدين ليست منّة من أحد، بل هي استحقاق وطني وأخلاقي، وعلى الحكومة أن تثبت أنها تعترف بحق من خدمها لا أن تتركه يذبل في صمت.
ودمتم بخير