نتنياهو وأوهام الخرائط… حين تصطدم إسرائيل بذاكرة الأرض

15 أغسطس 2025
نتنياهو وأوهام الخرائط… حين تصطدم إسرائيل بذاكرة الأرض

بقلم المهندس خالد بدوان السماعنة
ليست كل الكلمات عابرة، فبعضها يحمل في داخله ما يشبه الطعن في قلب التاريخ.
حين أطلق بنيامين نتنياهو عباراته عن “إسرائيل الكبرى”!
لم يكن يرسم خريطةً على ورق، بل كان يحاول أن يرسمها على ذاكرة أمة بأكملها.
خريطة تمتد من النيل إلى الفرات، وكأن الأرض التي عاش عليها ملايين البشر منذ آلاف السنين ليست سوى مسرح فارغ ينتظر مخرجاً متغطرساً ليضع عليها أبطال مسرحيته.
لكن الخريطة الحقيقية ليست تلك التي تُلوَّن بأقلام السياسيين، بل تلك التي تُرسم بدماء الشهداء، بعرق الفلاحين، وبأغاني الجدات على أبواب البيوت الطينية.
الأرض تعرف أهلها، وتشم رائحة أقدامهم، وتخزُن في جوفها أصواتهم وهي تدعو المطر.

في العالم العربي اليوم، يظن نتنياهو أن اللحظة مناسبة لمد حبال أوهامه. دول منشغلة بجراحها، وأخرى تبحث عن لقم العيش في زمن الغلاء، وثالثة تُطارد أشباح الانقسام. بين العواصم بيانات غاضبة، بعضها يُشبه الصرخة، وبعضها لا يتجاوز الهمس.
أما في العالم الأوسع، فالانشغال بالحروب الكبرى والأزمات الاقتصادية يمنح المحتل مساحة ليمد خيوط خطابه بلا رقيب.
القوى العظمى تحصي مصالحها، والخرائط التي تهمها ليست خرائط التاريخ، بل خرائط النفط والموانئ والأسواق.
وراء هذه الكلمات الصاخبة، هناك حسابات داخلية. نتنياهو الغارق في قضايا الفساد والاحتجاجات، يبحث عن خشبة خلاص يعلو بها فوق أمواج السياسة المضطربة. يلوّح لأقصى اليمين بخريطة الأحلام، ليضمن أن تظل أياديهم مشدودة إلى كرسيه، لا إلى محاسبته.
لكن التاريخ علّمنا أن الخرائط التي تُفرض بالقوة تذوب حين تمطر عليها إرادة الشعوب. وأن الأرض التي يسير عليها طفل حافي القدمين إلى مدرسته، ويحمل فيها فلاح محراثه، لا يمكن أن تتحول إلى مساحة بلا روح، مهما تعالت أوهام الغزاة.

ربما آن للعرب أن يفهموا أن:
الدفاع عن فلسطين ليس دفاعاً عن قطعة أرض بعيدة، بل عن بيتهم جميعاً.وأن الصمت على العبث بالخرائط اليوم، قد يعني أن خطوط الغد ستمرّ على عتباتهم هم.
فالخريطة الحقيقية ليست تلك التي يرفعها نتنياهو في مقابلة تلفزيونية، بل التي ترسمها الأجيال على تراب الوطن، بخط أقدامهم، بدموعهم، وبأحلامهم التي لا تعرف التنازل.
دمت يا أردن بخير