بقلم الدكتور محمد الهواوشة يكتب:
إلى دولة الرئيس – حفظك الله من ارتفاع الأسعار،
أنا لست في الأردن. لا أقف في طابور الخبز، ولا أسمع صوت صفارات الإنذار، ولا أتابع نشرة الأسعار التي ترتفع وحدها بلا رحمة.
لكني – يا سيدي – أعيش في الأردن أكثر مما تتخيل، لأن أهلي في مأدبا… وأنا صرت الحكومة.
نعم، الحكومة.
أنا من يرسل المال آخر كل شهر، كي تُدفع فاتورة دواء، ويُعبّأ خزان الوقود، ويُشترى ما تيسر من الضروريات (التي لم تعد مدعومة، ولا متاحة، ولا حتى محتملة).
أنا من يغطي الفرق بين راتب يتناقص وقائمة أسعار تتمدد. أنا المغترب… ولكني المسؤول الفعلي عن بقاء العائلة واقفة على قدميها في زمن ما بعد الوعود.
دولتك،
هل تعلم أن مأدبا اليوم تُركت تواجه مصيرها؟ لا دعم، لا خدمات، لا وظائف، لا حتى أمل عابر في خطبة وزير على المنصة.
في مأدبا لا يسمع الناس إلا صوت الغلاء، ولا يرون إلا مشهد الطوابير أمام ATM لا تفرح أحداً… فالبطاقة فيها “0.13” دينار، ورسالة البنك تقول: رصيدك لا يسمح.
رصيد مين يا دولة الرئيس؟ هذا مش رصيد، *هذا تنبيه فقر جماعي!*
*والمصيبة الأكبر، أن من يُفترض بهم أن يكونوا صوت الناس في البرلمان، صاروا موظفي تصفيق لا نواب تمثيل، لا يرفعون الصوت دفاعاً عن المواطن، بل يرفعون الأيدي للموافقة على كل ما يُملى عليهم… وكأنهم عيّنة من “جمعية المستهلك الصامت”!*
*يتحدثون عن الرقابة، لكن رقابتهم الوحيدة هي على مواقع التواصل… أما الحكومة، فتتجول أمامهم مثل “ضيف شرف” في حفلة مجاملة.*
أنا لا أطلب شيئاً من دولتكم، ولا أرجو أن تتذكروا المغتربين عند تشكيل الحكومة القادمة أو تعديل أسعار العدس.
أنا فقط أكتب لأنني تعبت من دفع ثمن وطن لا يكلّف نفسه حتى الاعتذار.
أنا أكتب لأن مأدبا ليست عالة، لكنها تُعاقَب لأنها صامدة.
أنا أكتب لأن من أعرفهم هناك، لا يستطيعون شراء أبسط احتياجاتهم، لا رفاهية ولا كماليات، بل أبسط الأساسيات.
سيدي،
أنا مواطن يعيش في الخارج، لكنه يسند الداخل. أنا من يدفع فرق الكهرباء، والماء، والبطالة، واليأس.
أنا الذي لم أحصل على متر أرض، ولا بعثة، ولا حتى اتصال من السفارة، ومع ذلك أعيش حالة وطنية مزمنة اسمها: “أهلي في مأدبا”.
فهل تعي حكومتك أن هناك آلافاً مثلي؟
هل تجرؤ وزارتك أن تكتب في تقاريرها: “الغربة صارت هي الحل”، و”المغتربون هم الداعمين الحقيقيين للموازنة”؟
هل لديكم الشجاعة للاعتراف أن الدولة لم تعد تكفي أبناءها، وأن الدولة لم تعد أباً… بل عبئاً؟
وفي الختام،
أنا لا أريد وسام مغترب، ولا شهادة شكر من وزير الإعلام، ولا حتى مقعداً في طائرة العودة.
أنا فقط أطلب أن تكفوا أيديكم عن ما تبقى من كرامتنا، وأن تتذكروا أن هناك عائلات في الأردن تعيش على الحافة، ومغتربون على الطرف الآخر يحاولون منعها من السقوط.
بقلم: مغترب من أجل الأردن
ليس وزيراً، ولا نائباً، فقط ابن البلد.