الاطار العام لمنهاج التربية الاسلامية المُحدّث في الأردن , والخواء الفكري , مقارنة بين الخارج الغير مسلم والداخل المسلم ..(1)

17 سبتمبر 2021
الاطار العام لمنهاج التربية الاسلامية المُحدّث في الأردن , والخواء الفكري , مقارنة بين الخارج الغير مسلم والداخل المسلم ..(1)

د. مصطفى التل

خلال مسيرتي التعليمية في مناهج التربية الاسلامية لطلاب المدارس الحكومية وطلاب مدارس القطاع الخاص , في المناهج الوطنية , أو المناهج الدولية بمختلف تصنيفاتها , سواء كان التدريس باللغة العربية أو اللغة الانجليزية , ومن خلال تدريسي لمنهاج التربية الاسلامية بمختلف مسمياته خارج الوطن , في دول تُعتبر هي الأولى عالميا في التعليم ووسائله وأهدافه ومناهجه ومحكّات التفكير التربوية المنهجية , مثل ماليزيا وسنغافورة , لم أجد شبيه لأهداف أو وسائل أو محكّات التفكير أو الفلسفة التربوية , لبرنامجنا الوطني للتربية الاسلامية المحدّث ولا شبيه للإطار العام لمنهاج التربية الاسلامية لمختلف المراحل التعليمية في الأردن المنوي تطبيقه تباعا في الأردن حتى الصف الثاني عشر . .

الناظر في منهاج التربية الاسلامية ” المُحدّث” للصفوف الثلاثة الأولى لطلاب المدارس الأردنية , والناظر للإطار العام لمنهاج التربية الاسلامية والذي اعتبره ” المركز الوطني للمناهج الأردنية ” انجاز يستحق التقدير , وغير مسبوق , لَيجد انّ المناهج المقدمة للصفوف الثلاثة الأولى , والإطار العام لمنهاج التربية الاسلامية لمختلف المراحل التعليمية , لا تخرج عن كونها ” مجلة ثقافة عامة ملونة” بعيدة كل البعد عن ” التربية الاسلامية ” في محاورها وأهدافها وموضوعاتها وأساليبها ووسائلها التصويرية والفكرية .

خلط الحابل بالنابل , هذا المنهاج الذي يُسمى بـــ ” تربية اسلامية ” للصفوف الثلاثة الأولى تحديدا , كونه الوحيد الذي تم توزيعه على طلابنا وطالباتنا حتى الآن , يظهر كمجلة أطفال مختلطة , متعددة الفنون , والألوان والمشارب الفلسفية , والآراء المتشعبة والمُتشظية الى مآرب ضيقة الأفق , مؤدلجة بأيدلوجيات ضيقة اقصائية تشويهية من الطراز الرفيع , مؤطرة بأطر هي أغلفة لما تحتها من أهداف تربوية -غير اسلامية- في المنهاج نفسه , تدّعي المساواة وحقوق الانسان ومحاربة الارهاب وتقبل الآخر , في اتجاه فكري واحد قسري على طلابنا وطالباتنا , ولو تم صبغ الادعاءات كمصطلحات بالصبغة الاسلامية .

الفكر الارهابي لن يناقش فكريا “جامع درويش “وهندسته وأبعاده وقصة بناءه على سبيل المثال كعنوان مستقل في الاطار العام للمنهاج , ولن يناقش الارهاب في الجرائم الالكترونية التي وضعت في التربية الاسلامية , وتم اغفال النظام الجنائي الاسلامي وحدوده في المنهاج , علاوة عن هذه المواضيع مكانها الطبيعي التربية الوطنية و التاريخ , وليس مناهج تربية إسلامية .
مناهج التربية الاسلامية المُحدّثة وأطرها العامة ركزت بالإجمال على ثلاثة محاور كأهداف عامة متوقعة , وان لم تنطق بها الأهداف المكتوبة ولكن نطق بها الاطار العام للمنهاج :

أولاً : دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله , وهذا مفاده ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من ناحية عملية في مجتمعنا , فلا علاقة للفرد المسلم بوطنه من جهة الاصلاح , ولا علاقة له بمجتمعه من جهة تصويب الانحرافات إن وجدت , ولا علاقة للفرد بدوره الجمعي في مجتمعه وبيئته من حيث الانتماء الفكري والسلوكي , فكل فرد يفعل ما يحلو له ( ينشر الرذيلة , ينشر الانحرافات الفكرية , ينشر الإلحاد..الخ ) وهذا يسمى تقبل الآخر كما هو , النتائج على الطالب فكريا , جاهز للافتراس من الفكر الارهابي .
الثاني : تحييد الدين وتأطيره بدين فردي ضمن طقوس وشعائر , هو الضمانة للوحدة الاجتماعية والسياسية , ومعناه فكريا عند الطالب باكتفاء رجال الدين بإرشاد عموم الشعب إلى توثيق الصلة بالله تعالى كشعائر فردية مجردة , ولا علاقة للدين خارج هذه الشعائر الفردية بأي تنظيم مجتمعي , بل هو دين فردي شعائري فقط لا غير , وغير هذا لا وجود للدين الاسلامي في هذا المنهاج والأطر العامة له , النتيجة ارهابي جاهز بمجرد تعرضه لأي فكر منحرف يخص هذا المحور نتيجة الخواء الفكري عند الطالب .
الثالث : الدين في المعابد والحياة للجميع. ومعناه محاصرة الطالب ودوره المتوقع منه , في المعبد وتجنب الخوض الفكري في القضايا العامة في بيئته ومجتمعه وما يدور حوله , وقتله فكريا وتربويا , وإخراجه بصورة هزيلة علميا وفكريا وحضاريا , وسيكون مثالا للعقل الخاوي الذي سيفتك به أي فكر ارهابي مستقبلا .

* البيئة المدرسية في الأردن من حيث التربية الاسلامية مقارنة مع دول غير اسلامية :

قبل الخوض في المنهاج والإطار العام للمنهاج , لا بد لنا من التعرض العام للبيئة المدرسية في ظل ( التربية الاسلامية ) في مدارسنا سواء القطاع العام أم الخاص منها .

في البيئة المدرسية أصبحت مادة التربية الإسلامية مادة شكلية مكمّلة لنصاب أكاديمي من حيث المواد الدراسية , فلا أهمية لها تذكر , ولا متابعة لمخرجاتها , ولا متابعة لوسائلها التعليمية , وتأتي في ذيل المواد العامة من حيث ترتيب الأولوية للمواد المدرسية ومنهاجها .

مدارسنا تفتقر الى أدنى متطلبات البيئة المدرسية من حيث التربية الإسلامية , فلا مصليات للطلبة , ولا يسمح للطلبة بأداء الصلاة عندما يحين وقتها , بحجة الحصص الصفية وسير وقتها , وقد يسمح للطالب بأداء صلاته باستثناء وتساهل من مدير المدرسة نفسه , ولكن على النطاق الرسمي لوزارة التربية والتعليم الأردنية , هذا الأمر غير وارد اطلاقا , بحجة ان هذا الامر يخرج النظم العام المدرسي عن ضبطه وسيره .

و للإنصاف , بعض مدارس القطاع الخاص في الأردن , تقيم صلاة الظهر جماعة لطلابها , جميع طلبة المدرسة في الساحات والملاعب الخاصة بها , مع تعويض الفاقد الوقتي نهاية الدوام بزيادة قدرها نصف ساعة .

وسائل تعليم التربية الاسلامية في الأردن , في حدودها الدنيا , وفي كثير من مدارسنا غير موجودة , وعند الطلب بتوفير أي وسيلة تعليمية لمواد التربية الاسلامية , ترى الاستهجان من الجميع في مديريات التربية بمختلف فروعها , وترى علامات الاستنكار البادية على وجوه القوم في مديرياتهم , بحجة أن المادة ( دين ) ..!!

يا أستاذ كلها مادة “دين” , صلاة وصيام , ماذا تريد من وسائل لها ؟!!! , مشرفي المادة أنفسهم من نوع ( سامحك الله يا بُني ) , لا نجد لهم أي حضور , ولا رأي , ولا دفاع عن رأي هم يرونه مناسبا للمنهاج , وكأن انتقائهم لهذا المنصب كان عن عين فاحصة .

طول فترة مسيرتي في التعليم لهذه المادة في القطاعين العام والخاص , داخل الأردن , لم يشرّفني مشرف واحد بزيارة واحدة , وعند سؤال الزملاء في مدارس أخرى , ومناطق أخرى , الحال كما هو , حضور مشرف مادة تربية اسلامية للمدرسة , يُعتبر حدث تاريخي , لندرة المناسبات .

بينما باقي المواد , تجد المدرسة خلية نحل , مشرفون , مخاطبات , ملاحظات , نواقص في وسائل التعليم وكيفية تغطيتها , دورات , تقييمات , نقاشات قد تكون حادة أحيانا تجاه ملاحظة درسية أو خطأ موهوم طباعياً في أحد المناهج , بينما مادة التربية الاسلامية ومستلزماتها العامة التعلمية والتعليمية تجدها في خانة ” انسى ” .

عند المطالبة بأي اجتماع عام بين مشرفي التربية الاسلامية ومعلمي المنهاج , على مستوى اجتماع تنسيقي عام , أو اجتماع للتباحث فيما آل اليه أمر المادة الدراسية , لن تجد جوابا , ولن تجد اي تجاوب من أي طرف , وكأن مديريات الاشراف على هذه المناهج التي تسمى ” تربية اسلامية ” أصبحت من الماضي وبطور الانقراض الوجودي في مدارسنا , مما جعل هذه المادة تحديدا , مستباحة لكل مًن يريد ازجاء بضاعته في سيرها , ولو كان إلحادي التوجيه والاعتقاد والفعل .

بينما في الدول الغير اسلامية على سبيل المثال “سنغافورة ” والتي أشرفت فيها ودرّست منهاج التربية الاسلامية للطلاب السنغافوريين المسلمين فيها , يندر أن تجد مدرسة أو كلية فيها طلاب مسلمين يدرسون منهاج التربية الاسلامية بدون مُصلى أو مسجد أو على أقل تقدير مكان للصلاة , وتُوقف الدروس والمحاضرات كافة فترة ربع ساعة الى نصف ساعة , للسماح للمسلمين بأداء الصلاة , والعودة الى دروسهم .

الصور المساعدة في مادة التربية الاسلامية في بلادهم , لا تجد صورة واحدة لأسرة مسلمة أو طفلة مسلمة بدون حجاب ولا غطاء رأس , مهما كانت هذه الطفلة صغيرة , ولن تجد صورة رب الأسرة بدون لحية , ولم تثر ثائرة البعض هناك أن هذا تمييز ضد الأسر الغير مسلمة في المجتمع ..!!!

الطلبات الرسمية كانت تأتيني بشكل متتالي , ما هي الدورات التخصصية التي ترغب بترشيحها حول اساليب تدريس المادة أو ماذا ترى من اقتراحات مناسبة لخلق بيئة مناسبة للمادة التي تدرسها وتشرف عليها … وهل وسائل التعليم كافية , وهل يوجد اي وسيلة تعليمية ترشحها لإدخالها في المنهاج المساعد ..؟!! كيف تقيّم مخرجات المادة التعليمية , وهل المادة المطبوعة كافية أم تحتاج الى وسائل مساعدة ومناهج مساعدة أخرى ..؟!!

هذه الأسئلة والاستبيانات كانت كل شهر , والأمر في تلك البلاد , ليس كبلادنا , السؤال والاستفسار والاستبيانات , يُعمل على تنفيذها فورا , وان لم يتم التنفيذ , يتم الحقيق مع المتقاعس , ولا تستغرب وصول الأمر الى فصله من عمله .

أذكر حادثة في كلية سنغافورية كنت أدرّس فيها اللغة العربية لغير الناطقين بها, والتربية الاسلامية للطلاب المسلمين فيها , أن المشرفة العامة للمسار الأكاديمي في الكلية , أرادت استشارتي بأمر هام وفوري لا يحتمل التأخير , وكنت منهمكا في المحاضرة , إذ بباب القاعة يُقرع , فذهبت لأرى مَن الذي يقرع الباب وسط المحاضرة على غير العادة , فنظرت فلم أجد أحداً , فعدت وأغلقت الباب , تم قرعه مرة أخرى , فنظرت فإذا بالمشرفة العامة تقف مُنزوية عن الباب كي لا يراها أحد من الطلبة , تفاجأت بالموقف , وسألتها على الفور : لماذا تقرعين الباب وأنت لك كامل الحق بفتح الباب والدخول للقاعة !! , كان جوابها صدمة لي : ( لا أريد ان أكسر البيئة الدراسية داخل القاعة والتي هي التربية الاسلامية كوني غير مسلمة ولم ارتدي الساتر الذي يغطي ما ظهر من جسدي ) , كانت تلبس بنطال جينز وقميص قصير الأكمام , وكانت من العرق الصيني .

المناهج الإسلامية في بلادهم أعلى وأكفأ وأشمل من المناهج في بلادنا , المواضيع في المناهج كما هي بدون تبديل ولا اعتراضات , الجهاد بأنواعه كما هو , لم يتم اخفاء معلومة واحدة من معلومات الجهاد في مناهجهم , بل يدرسون نوع من أنواع الجهاد نحن أهل الدين في بلادنا نسيناه في مناهجنا , ألا وهو ( جهاد الطلب) , وجهاد الطلب باختصار هو ( طلب المُحارب في دولته ) , بمعنى آخر وبسيط خروج جيش الدولة الاسلامية لغزو دولة أخرى , وهذا النوع من الجهاد كانت له 3 محاضرات لتغطيته كمعلومات ونقاشات .

محكّات التفكير عالية جدا , نحتاج الى أميال وسنوات ضوئية للوصول الى مستواها , أذكر ضمن محكّات التفكير المثارة في المادة كانت ( غزوة بني قريظة ) والحكم بقتل كل من أنبت من رجال بني قريظة المقاتلين .

لم يعترض أحد وقال أن هذا ارهاب يعلم أولادنا القتل والقتال , بل كانت قضية نقاشية للطلاب بطلب رسمي من متطلبات المنهاج , وهنا تم الاستعانة بخبراء عسكريين لشرح الموقف العسكري العام , وحكم الخيانة العظمى على أرض القتال , وان الاعدام هو أعدل الأحكام في المحاربين الذين ارتكبوا جرم الخيانة العظمى مثل محاربي بني قريظة الذين ارتكبوا هذا الجرم مع العدو وهو قريش .

ومن محكّات التفكير التي كانت مطروحة هي ( فتح مكة المكرمة ) , وهل فتحها يُعد خيانة للوطن الأم بالنسبة لمسلمي اهل مكة الذين شاركوا بفتحها ..؟!! هنا من متطلبات المنهاج تم الاستعانة بخبراء سياسة ودبلوماسيين لشرح الموقف , الغريب في الأمر , انك تقدم الطلب قبل الشروع بالدرس بمدة اسبوع تقريبا , للتنسيق , ويأتيك الرد بالموافقة , ولا يوجد احد يقول لك : هل انت مجنون , تطلب دبلوماسي ليشرح درس لطلبة ..؟!!

جاء متقاعد دبلوماسي سنغافوري مسلم مع قانوني دولي ايضا سنغافوري مسلم , وتم شرح الامر وتحليله سياسيا وقانونيا , وكيف ان وصف مكة المكرمة تحول من وطن أم , لعدو يريد انهاء دولة أخرى ناشئة , فوجب انهاء هذا العدو في أرضه قبل أن يقضي على الدولة الأخرى , والأمر كان حالة حرب معلنة بين دولتين جاءت بعد نقض هدنة من طرف دولة قريش , وكيف تم احترام حقوق الانسان أثناء الفتح , والتحفظ عن إسالة الدماء بدون دواعي عسكرية مُلحة , وكيف أن المسلمين بعد فتحها , تركوا الخيار لشعب دولة (مكة المكرمة) ليقرروا باختيارهم بانضوائهم تحت راية الدولة الجديدة والاندماج معهم بدولة واحدة , كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات .
أما المحك التفكيري الثالث الذي أذكره جيدا , كانت ( نظام دفع الجزية لغير المسلم في الدولة الاسلامية ) مع ( نظام دفع الزكاة للمسلم في الدولة الاسلامية ) . وهل دفع الجزية هي تفرقة عنصرية على أساس الدين في المجتمع المسلم ..؟!!

الكتاب المساعد الخاص بالمعلم , وضع ملاحظة لتغطية المحك الفكري بالاستعانة بموظفي الضرائب , لإلقاء مزيدا من الضوء على هذا المحك , تم تقديم الطلب كالمعتاد , تمت الاستجابة , جاءنا موظف ضرائب سنغافوري مسلم . ودار النقاش .

فكان الجواب الذي صدمني حقيقة هو ( العدالة الضريبية بين أبناء المجتمع الواحد ) , فغير المسلم يدفع الجزية كواجب مواطنة عليه , كما أن المسلم يدفع الزكاة كواجب ديني تجاه دولته ومجتمعه ومواطنته , وأنّ الجزية في كثير من الأحيان تكون أقل من الزكاة , مع اعفاء الغير مقتدر على دفعها , والدولة توفر للفقير الغير مسلم الغير قادر على دفع الجزية , كافة سبل الدعم المادي والخدماتي الكفيل باخراجه من دائرة الفقر , ومصدر الانفاق هو ( بيت مال المسلمين ) الذي تصب فيه الزكاة …

طبعا الجزية في مناهجنا اختفت جذريا , لا ذكر لها مطلقا , وكأنها غير موجودة , وعند ذكرها ولو عرضيا في نقاش دائر , الفكرة عنها أنها نظام متخلف رجعي بدائي , فيها امتهان لغير المسلم في المجتمع المسلم .

المحك الفكري الرابع الذي بقي عالقا في تفكيري , هو ( حد الردة عن الاسلام ) , من ضمن نظام القانون الجنائي الاسلامي الذي يُدرس للطلاب المسلمين في سنغافورة , الزائر الخارجي للاشتباك في النقاشات حول هذا المحك الفكري , كان عضوا في المجلس الاسلامي السنغافوري , كان خلاصة اجابته , أن المجتمع لا يقوم إلا على وحدة فكرية تميّزه عن غيره من المجتمعات , وأن الدول لا تقوم إلا على وحدة فكرية جامعة للفكرة الوطنية لتلك الدولة , وعلينا التفريق بين التعددية الفكرية المقبولة , وبين الفكر الهدّام الذي يهدم أسس اي مجتمع , والمجتمع المسلم كغيره من المجتمعات , لا يقوم إلا على وحدة فكرية واحدة , مع مراعاة التعددية الفكرية داخله ضمن الاطار العام المقبول , ولكن المرتد شكّل حالة فكرية غير مقبولة داخل المجتمع المسلم , تهدد سلامة هذا المجتمع , ومع ذلك , النظام الجنائي الاسلامي , لم يعدمه إلا بعد استنفاذ كل الطرق المؤدية لاستنقاذه من هذا الشذوذ الذي وقع عليه وفيه , ويُقتل بشكل فوري في حالة واحدة من اي مسلم يجده , وهي التحاقه بعدو خارج الدولة الاسلامية , وهنا يكون ارتكب الخيانة العظمى .

أما على مستوى السلوك العام داخل ما يسمى ببيئة المحاضرة الدراسية , يُحظر على أي طالبة مسلمة أن تدخل القاعة وهي لا تلبس الحجاب الكامل الساتر لجميع جسدها , وان كان غير متوفر معها , خارج القاعة يوجد خزائن مكشوفة فيها الحجاب بمختلف القياسات , تلبسه فوق ملابسها , وعندما تخرج تخلعه وتضعه في مكانه , العقوبة لمن لم تلتزم هي الفصل من الكلية والمدرسة , لم يخرج علينا من منظريهم ليقول : أن هذا عدم تقبل الآخر ..!!

و على المستوى الداخلي للقاعة ضمن المحاضرة , يمنع الاختلاط بين الذكور والإناث داخل القاعة ما دامت المحاضرة مستمرة ولم تنتهي , فالذكور يجلسون في الأمام , والإناث في الخلف , ومن لا يلتزم عقوبته صارمة جدا . ولم يخرج علينا منهم مَن قال أن هذا فصل جندري , وهو غير متحضر ولا مدني …!!!!

هذا في بلادهم الغير اسلامية , أما في بلادنا الاسلامية , فلا مُصليات , ولا بيئة تنسجم مع المادة , ولا وسائل تعليمية كافية للمادة , ولا تلبية الحد الأدنى من متطلبات المادة التعليمية .

حقيقةٌ أُسلّم بها , من خلال الانخراط الميداني في الأردن , جيل الشباب الجديد الذي استلم تدريس هذه المادة في مدارسنا , جيل منضبط , شديد في مطالباته لتحسين الظروف العامة للبيئة المدرسية لتلائم التربية الاسلامية , متفاعل معها , شديد الملاحظة تجاه اي نهج خارج سياق أهداف المادة التعلمية والتعليمية , شديد التوجيه لمشرفي هذه المادة , وكأنهم يقولون : ( جيل الدروشة انتهى ) .

على كلٍ , ارى المستقبل مُشرق بجيل جديد استلم المهمة , جيل شاب متفاعل ومتفاني في هذه المادة الدراسية , غير مهادن في حقوق هذا المادة على كافة الصُعد .

* أهداف التربية في الاسلام وتحققها في المناهج “المُحدّثة ” في الأردن :

الأهداف التربوية باختصار هي ” الغايات التي تسعى العملية التربوية الى تحقيقها والوصول إليها ,قريبة كانت أو بعيدة ” , والأهداف التربوية الاسلامية تدور حول أربعة مستويات هي بالإجمال :
الأول : أهداف تدور حول العبودية لله تعالى بمفهومها الواسع , وإخلاص العبودية لله تعالى فيها .
الثاني : أهداف تدور حول الفرد نفسه , وبناء شخصيته الإسلامية المتميّزة , ذات مثل عليا .
الثالث : أهداف تدور حول بناء المجتمع المسلم , وتميّزه عن غيره من المجتمعات , من خلال المثل العليا .
الرابع : أهداف تدور حول تحقيق المنافع الدنيوية والدينية .

المتخصص في أصول التربية الإسلامية , أو وسائلها أو علم النفس التربوي الاسلامي , كتخصصات مستقلة تُدرس في جامعاتنا الوطنية , – وللأسف الشديد تم استبعادهم عن تحديث منهاج التربية الإسلامية , واقتصاره على ( المركز الوطني للمناهج ) الذي أصبح من لون واحد , وفكر واحد , وتيار واحد , لا ثاني له , يرشحون من يشاءون ويستبعدون من يريدون استبعاده , وهم في عزلة عن جامعاتنا وعلمائنا , ولا يركنون إلى أي رأي وطني في المناهج التي يقومون عليها , ويعتبرون أنفسهم العلم الخاتم لجميع العلوم ومناهجه –

هذا المتخصص في هذا المجال , من مُسلّمات تخصصه , التعمق في مفهوم التربية مع مفهوم الدين ومفهوم الإسلام , حتى يستطيع بناء عملية تربوية تعلمية وتعليمية منسجمة مع أسس التربية الاسلامية من خلال :

أولا : الأسس الفكرية الإسلامية وهي بالإجمال :

– نظرة الإسلام للإنسان .
– نظرة الاسلام للكون
– نظرة الإسلام الى الحياة .

ثانيا : الاسس العقدية في التربية الاسلامية من خلال :

-أهمية مرحلة الطفولة في غرس العقيدة .
– أسس غرس العقيدة في نفس الطفل .
-ترسيخ حب الرسول صلى الله عليه وسلم وحب آل بيته الأطهار وصحابته رضي الله عنهم أجمعين في نفس الطفل .
-أركان الإيمان وترسيخها في نفس الطفل .
-الثبات على العقيدة كعنوان وجود المسلم في هذه الحياة .

ثالثا : أسس البناء العبادي من خلال :
– تكامل العقيدة مع العبادة في تربية الطفل .
– العبادات المختلفة مثل الصلاة والزكاة والحج وغيرها , وأثرها في العملية التربوية .

رابعا : أسس البناء العلمي الشمولي من خلال :
– الاسلام يدعو للعلم بمعناه الشامل , وانه عبادة من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة .
– لا فرق بين الذكور والإناث في التعليم .

خامسا : أسس التربية النفسية للطفل من خلال :
– علاج الخوف عند الطفل في أصول التربية الاسلامية .
– علاج الخجل عند الطفل في أصول التربية الاسلامية .
– ظاهرة الشعور بالنقص عند الطفل وعلاجها في أصول التربية الاسلامية
– ظاهرة الغضب وعلاجها عند الطفل في أصول التربية الاسلامية .
– ظاهرة الدفاع عن حقوق الطفل ومنها حقه في ابداء رأيه ومدافعته عن نفسه ورفع الظلم عنها في أصول التربية الاسلامية .

في النهاية , هل حققت المناهج الأردنية المحدّثة في التربية الاسلامية من خلال اطرها العامة هذه الاسس أو معظمها …؟!! هذا ما سنلقي الضوء عليه في الحلقة القادمة ان شاء الله .