معركة الكرامة بطولة تاريخية سطرها الجيش العربي الأردني المصطفوي

27 يونيو 2021
معركة الكرامة بطولة تاريخية سطرها الجيش العربي الأردني المصطفوي

بقلم : النائب الدكتور نمر السليحات العبادي

ستبقى معركة الكرامة خالدة في ذاكرة الأجيال من شعبنا الأردني الأبي، وذاكرة الأجيال من أحرار العرب على مدى الأزمنة والدهور. كيف لا؟ وقد سطر أبطال جيشنا العربي بدمائهم الزكية الطاهرة، أروع ملحمة عرفها تاريخ النضال العربي تجاه العدو الإسرائيلي المتغطرس، محطمين غطرسة جيشهم وصلفه وأسطورة الجيش الذي لا يقهر. ففي الواحد والعشرين من آذار لعام 1968، نقشت معركة الكرامة بدماء أسود الجيش العربي الأردني النصر المؤزّر والمجد التليد على سجل تاريخ الأردن الناصع؛ معانقًا أمجاد الأجداد الذين سطروا بطولاتهم في حطين واليرموك وعين جالوت. لقد برهن الجيش العربي الأردني، في معركة الكرامة، على أنه المثل في التضحية والبطولة الخالدة، فنال فخر الأمة واعتزازها؛ واستحق منا الجلال والمهابة، على عظيم صنعه، ومواقفه الكبيرة في الذود عن حمى الوطن وشرف الأمة.
والحق كل الحق، أن من يُنكر الدور الأردني البطولي الذي سطره أبناء الجيش العربي الأردني بقيادته الهاشمية المظفرة في معركة الكرامة، معركة العز والفخار، ما هو إلا جاحد، وقلم مأجور، تأبى مهابة الذكرى أن يُزجَّ باسمه النكرة المصغرة بين الكلمات. إن ما أقدم عليه هذا القلم المأجور، في هذه التوقيت، على وجه التحديد، من نشر منشوره الصحفي المبطن برائحة الخبث والنذالة، ليكشف عن نواياه المبيتة التي ما كان يبتغي من ورائها، إلا العبث بوحدة النسيج الأردني المتين، التشكيك في مفهوم المواطنة، وتعمق مفهوم الإنكار، فيعيد المجتمع- لا قدر الله- إلى الشحناء والبغضاء. وإنها لعصية على أمثاله من العابثين المأجورين.
إن نسيج الدولة الأردنية من شتى المنابت والأصول، لتؤكد أنهم الأوفياء، المخلصون، لا ينكرون موقف الجيش العربي الأردني وقيادته الهاشمية في معركة الكرامة، فهم يذكرون تلك المواقف والدماء الزكية التي بذلها شهداء الأردنيين رخيصة منذ بواكير القرن الماضي وصولا إلى يومنا هذا. إن دماء الملك المؤسس عبد الله الأول ابن الحسين، ما زالت ماثلة، تعطر بوابة المسجد الأقصى الشريف الذي استشهد على عتباته. وما زالت دماء قوافل الشهداء التي كتبت بحروفها على باب الواد، واللطرون، وعلى أسوار القدس، وصولا إلى الكرامة، التي جسدت كرامة أصحابها الأردنيين شاهدة على معاني التضحية والفداء.

ما زال أسود معركة الكرامة من أبناء الجيش العربي الأردني، بين ظهرانينا، يرفلون بثوب الصحة، وينعمون بسني عمرهم المجيدة، تطاول أعناقهم عنان السماء عزة وإباء، وترتقي هاماتهم ارتقاء الطود الشامخ، كشموخ أنفتهم وكبريائهم، كيف لا؟ وقد لقنوا مع إخوة لهم هم ﴿أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾، العدو الإسرائيلي درسًا في التضحية والإباء والذود عن الحمى، ما كان للعدو أن ينساه على مر الدهور والأزمنة. فجاءت اعترافات العدو لتبرهن على هزيمتهم النكراء، إذ يقول: حاييم بارليف/ رئيس الأركان الإسرائيلي الأسبق: “أما معركة الكرامة فكانت فريدة من نوعها بسبب كثرة عدد الإصابات بين قواتنا، فقدت إسرائيل في هجومها الأخير على الأردن آليات عسكرية تعادل ثلاثة أضعاف ما فقدته في حرب حزيران”. وأما المقدم (أهارون بيلد) قائد إحدى المجموعات الإسرائيلية في معركة الكرامة، إذ يقول: “شاهدت قصفًا شديدًا عدة مرات في حياتي، لكنني لم أرَ شيئًا كهذا من قبل، لقد أصيبت معظم دباباتي”. وقد صرح المستر جون بورينته/ المراسل الخاص لوكالة اليونايتد برس حينئذ بقوله: “إن التقارير من الشرق الأوسط تؤكد أن الأردن أحرز نصرًا يستند إلى أسس متينة.”. وهذا المارشال جريشكو/ رئيس أركان القوات المسلحة السوفييتية، إذ يقول: شكلت معركة الكرامة نقطة تحول في تاريخ العسكرية العربية.” وهذه صحيفة نيوزويك الأميركية تصرح في قولها: “قاوم الجيش الأردني المعتدين بضراوة وتصميم، وإن نتائج المعركة جعلت الملك حسين بطل العالم العربي”.
وليس أدل على دور الجيش العربي الأردني في كسر غطرسة العدو الإسرائيلي في معركة الكرامة، من تلك الكلمات التي خلدها القائد الهاشمي الحسين بن طلال رحمه الله، وهو يهنئ أشاوس جيشه المصطفوي بالنصر المظفر، إذ يقول: “كنتم جميعًا والله أمثولةً يعزُّ لها النظير في العزم والإيمان، جيشنا العربي ومعركة النصر والثبات، لقد لعب سلاحا المدفعية والدروع الملكي وقناصو الدروع دورًا كبيرًا في معركة الكرامة، وعلى طول الجبهة وخاصة في السيطرة على جسور العبور، ما منع الجيش الإسرائيلي من دفع أية قوات جديدة لإسناد هجومه الذي بدأه، وذلك نظرًا لعدم قدرته على السيطرة على الجسور خلال ساعات المعركة، وأدى ذلك إلى فقدان القوات المهاجمة لعنصر المفاجأة، وساهم بشكل كبير في تخفيف زخم الهجوم وعزل القوات المهاجمة شرقي النهر وبشكل سهل التعامل معها واستيعابها وتدميرها، واستمر دور سلاح الدروع والمدفعية الملكي وجميع الأسلحة المشاركة وعناصر المشاة بشكل حاسم طيلة المعركة من خلال حرمان الإسرائيليين من محاولة إعادة البناء على الجسور القديمة، وحتى نهاية المعركة، وهذا يؤكد أن معركة الكرامة خاضها الجيش العربي وهو واثق من نفسه، وأن الجهد الذي بذل خلالها ما كان ارتجاليًّا بل كان دفاعيًّا شرسًا ومخططًا بتركيز على أهم نقاط التقتيل للقوات المهاجمة لكسر حدة زخمها وإبطاء سرعة هجومها.”
إن معركة الكرامة التي سطرها الجيش (جيشنا العربي) ستبقى درةً مشرقةً على جبين الأردن ورمزًا وطنيًّا على مر الأيام عندما التقى جمع الحق والإيمان بجمع الباطل المتغطرس المُعتدي، وكان لجندنا الأشاوس في يومها صولات وجولات ترددت لها جنبات الوادي المقدس، تحكي قصة المجد المطرزة بزغاريد النشامى، تسابقهم أرواحهم حبًّا في الشهادة، وافتداءً للأرض، وصون الحمى. حمى الله الأردن منيعا، وحمى الملك المفدى عبد الله الثاني ابن الحسين، وأعز الله القوات المسلحة الأردنية الباسلة، وحفظ أجهزتنا الأمنية الساهرة على أمن الوطن والإنسان.
النائب الأستاذ الدكتور نمر السليحات العبادي رئيس اللجنة المالية النيابية