مروان العمد
كلام في المحظور حول الفتنة الجديدة التي تكاد ان تندلع
سوف استكمل حديثي في المحظور من الحديث . وسيكون حديثي اليوم في المنطقة الحمراء والشديدة الخطورة ، وعما يجري على الساحة الاردنية وعمليات الشحن واثارة الفتنة بين ابناء الشعب الواحد .
وما خوضي في هذا الموضوع الا لخوفي على الاردن وعلى الاردنيين جميعهم ، وحتى لا يتحول الاردنيون لمجموعات هائمة في جميع انحاء الارض تبحت عن امن ولقمة عيش في سبيل كلمة حق يراد بها باطل . وحتى اوفي الموضوع حقه فلا بد لي من ان اعرج على ما حصل تحت قبة البرلمان وما اثاره النائب اسامة العجرمي . وما تبع ذلك من احداث وما يتوقع ان تتطور اليه الامور خلال الايام القادمة .
لكن قبل الحديث عن هذا الموضوع اريد ان أؤكد اعتزازي واحترامي لجميع العشائر الاردنية ومنها عشيرة النائب المذكور . وان العشائر الاردنية هي من اعمدة الأردن والنظام . وانها كانت موجودة قبل اعلان ولادة الدولة الاردنية الحديثة ، وانها واكبت المؤية الاولى من عمرها وهي في مكانتها ومنزلتها التي تستحقها .
الا انه وفي معرض حديث النائب المذكور ازاء الاحداث التي جرت في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة ، و حديثه عن زحف العشائر الاردنية الى مدينة عمان حسبما اعلنت عنه الجهات المنظمة لهذا الزحف ، وعن انقطاع التيار الكهربائي الذي حصل في ذلك اليوم ، قال ان العشائر الاردنية سوف تحرر عمان من العملاء . وان المتقاعدين العسكريين سوف يلبسون الفوتيك ويأتون الى عمان لتحريرها من العملاء . وان انقطاع التيار الكهربائي قام به العملاء لتعطيل مسيرة العشائر . بالرغم من ان المسيرة كانت قد انطلقت من امام المسجد الحسيني في وسط البلد باتجاه ساحة النخيل وهي ترفع شعارات تجاوزت كل السقوف والحدود ولم يعترضها احد . وقوله ان رجال الامن خالفوا الاف السيارات التي كانت ترفع العلم الفلسطيني ، هذا العلم الذي يوزع ويباع في مختلف الشوارع الاردنية ، وتم رفعه في جميع الفعاليات التي اقيمت ، في الوقت الذي غاب فيه العلم الاردني عن الكثير منها ،
وما اثارته هذه الكلمات من ضجة داخل المجلس واحالته على اثرها الى لجنة قانونية خاصة بخصوص العبارة التي قيل انه قالها في نهاية حديثه ، واعتبرت تجريحاً وسباً وقدحاً بحق مجلس النواب ورفضه الاعتذار عنها . وما تبع ذلك في اليوم التالي من اصدار المجلس قراراً بالاكثرية العددية بتجميد عضويته بالمجلس لمدة سنة واحدة مع وقف مخصصاته خلالها .
علماً وللحقيقة فأن قاعة المجلس كانت قد شهدت سابقاً اقولاً وأحداثًا بين النواب اكثر من ذلك بكثير . ولكن الفرق ان هذه الاحداث كانت تدور بين عدد محدود من النواب وتنتهي بالتدخلات والصلح والاعتذار . اما في هذه الحالة فقد كان الحديث موجهة للمجلس باكمله ورفض الاعتذار عنه . ولكني ورغم ذلك غير معني بهذه الكلمة وفيما اذا كانت قد قيلت او لم تقال . وكم كنت اتمنى لو ان رآسة المجلس اكتفت بشطب العبارات والكلمات التي رأت انها غير مناسبة من محضر الجلسة .
ولكني ارى ان المهم والخطير هو استخدام النائب لعبارة تحرير عمان من العملاء وقوله ان المتقاعدين العسكريين سوف يدخلونها ليحرروها من العملاء . فكيف سيتم تحرير عمان من العملاء ؟ ومن هم العملاء الذين سيتم تحرير عمان منهم ؟ ومن يملك امكانية تصنيفهم ؟ . اليس هذا تقسيم الاردنيين الى ابناء عشائر وعملاء ؟ وان ابناء العشائر سوف يحررونها منهم ؟ اليست هذه الكلمات دعوة لتحويل ساحات عمان الى حمام دم ما بين العشائر الاردنية وابنائهم من منتسبي هذه الاجهزة بحيث يقف احدهم في مواجة الآخر ؟
لو انه تحدث عن الفساد والفاسدين وطالب بتخليص الاردن منهم لكان قوله يتجاوب مع مطلب غالبية الشعب الاردني وربما كلهم باستثناء الفاسدين . ولكن ان يقول عملاء فهذا امر غير مقبول لأن الاردنيين من مختلف الاصول والمنابت ، ومن ابناء العشائر والقرى والحضر ليس بينهم عملاء . حتى الفاسدين هم ليسوا عملاء . وخاصة انه استعمل هذه العبارة في معرض حديثه عن الاحداث التي جرت في الضفة الغربية وقطاع غزة مما يعني ان من يقصدهم هم عملاء للصهاينة ، وهذه تهمة موجهة لكل الشعب الاردني وخاصة انه لم يحدد من يقصد بها ولم يقدم ادلته على ذلك ، وهذا امر مرفوض
ثم كانت تلك التجمعات التي عقدت لمناصرة النائب المذكور والتي تجاوزت الهتافات بها كل السقوف ، وجرى التهديد فيها بحرق عمان على رؤوس من فيها . ثم كانت تلك بيوت الشعر التي اقيمت ، ودعوة ابناء العشائر الاردنية للتجمع فيها واعلانهم مساندتهم له . وحضور بعض المجموعات من الناس وهي وان كانت في اغلبها عشائرية ولكنها من المؤكد انها لا تمثل كل العشائر الاردنية الطيبة ، بل تمثل اشخاصاً حراكيين من ابناء هذه العشائر تحمل افكاراً ومواقف مسبقة خاصة بها و اهداءه المصاحف والسيوف ومبايعتهم له زعيماً وقائدا .
وبدلاً من ان يسعى النائب لتهدئة انصاره فقد زادهم اشتعالا بكلماته وتهديداته وحركاته وهو يحمل السيف ويلوح به و يتمنطق بمسدسه ، وانصاره يطلقون وابلاً من الرصاص من اسلحتهم الرشاشة . ومن خلال رفضه جميع محاولات التهدئة وايجاد مخرج لهذه الازمة ، بل اعلن عن تجمعات حاشدة لابناء العشائر الاردنية في مضاربه التي اقامها في دائرته الانتخابية ، والتي بدت وكانها اعلان حرب على النظام والجيش والاجهزة الامنية والاردنيين من غير ابناء العشائر .
وكما انه ليس مقبولاً ونحن في القرن الحادي والعشرين ان نعود ونتحدث باسم العشائر وان ننكر دور الآخرين . ثم ان ما يعانيه ابناء عشائرنا الاردنية من تهميش وبطالة وفقر ومعاناة من الفساد يعانيه غالبية الشعب الاردني . وان ما حصل في مجلس النواب لم يكن موجهاً ضد العشائر ؟ واعضاء مجلس النواب الباقين هم ابناء عشائر وممثليها .
ثم كان قيام رجال الاجهزة الامنية بهدم الخيم التي اقامها انصار النائب كما قالوا ، او الطلب منهم هدمها حسب ما ذكرت تلك الاجهزة . وما تبع ذلك من اشتباكات واغلاق للطرقات ومهاجمة ممتلكات المواطنين الاردنيين وسياراتهم وحرق مزروعاتهم من قبل انصاره ، وقيام الاجهزة الامنية بتفريق تجمعاتهم .
وفي وقت لاحق كنب النائب استقالته من مجلس النواب وارسلها عن طريق نائب آخر صديق له لرئيس المجلس وانه لا رجوع عنها . الا ان حملة التصعيد والتحشيد لم تتوقف . واستمرت الفيديوهات والخطابات التي تؤجج مشاعر ابناء العشائر للمشاركة في التجمع المزمع اقامته يوم الاحد الموافق ٦ / ٦ / ٢٠٢١ . فمن الفيديو الذي بدئه بتلاوة لسورة الكافرون ( ومعنى ذلك انه استبدل وصف العملاء لمعظم الشعب الاردني بتكفيرهم ) ، الى الفيديو الذي يتعهد به ان يكون سيف الله المسلول ، الى فيديو بندقية الثورة العربية الكبرى التي سمحت العشائر الاردنية للشريف حسين باستخدامها لاطلاق رصاصة الثورة ، والى الجموع التي تؤم مضاربة مقدمة له البيعة وتعهده لها ان يحرر الاردن من كل العملاء . مختصرا الاردن بعشائره ومختصراً العشائر بعشيرته ومختصراً عشيرته بنفسه الى حد تهديد من يعارض مواقفه وتحركاته من ابناءها بالويل والثبور والاصرار على استخدام كلمة عملاء ، الى ان اصبح الوضع على فوهة بركان على وشك الانفجار . ، بالاضافة الى ما يمكن ان تسببه مثل هذه التجمعات من عودة انتشار وباء كورونا وبشكل خطير .
والغريب في الامر هو غياب العقلاء واصحاب الشأن والحل والربط والرأي السديد ، وكأني بهم ينتظرون ما سوف تسفر عنه الاحداث في الايام القادمة لكي يحددوا مواقفهم وحسب نتائجها ولصالحهم . ولذلك لا تجد من يتحدث على وسائل التواصل الاجتماعي ناصحاً وداعياً للهدوء . ولا تجد الا بعض من يناصر ويجاهر بالتحريض . اما الغالبية العظمى فقد التزمت الصمت ، مع ان ابسط حادث كان يشعل المواقع نقاشاً وتحليلاً . وان عزا البعض ذلك انهم لا يريدون صب الزيت على النار . ، ولكني اقول لهم لماذا لم تلقوا بعض المياه على هذه النار كي يتم اطفائها ؟
ان ما يجري هو مؤامرة ومغامرة ومخاطرة بامن واستقرار الاردن ، بل هي محاولة توريطه في حالة من النزاع والاقتتال الداخلي ، والتي سعى الكثيرون الى ايقاع الاردن في اتونها خلال الربيع العربي . فهل تدكون ما انتم فاعلون ؟ وهل تدركون الى اي مصير تقودون الاردن .
في وقت سابق يعود للثمانينات القرن الماضي تجمع حزبيين و عشائريين للاحتجاج على الاوضاع الاقتصادية في الاردن ، وقال البعض سوف نهجم على عمان ونقوم بحرقها . فرد عليهم حزبي وعشائري بقوله ان اليد التي سوف تمتد لتحرق عمان سوف نقطعها . فهل سنعود لنردد هذا الشعار بعد كل هذه السنين ؟ ام سنتركها تحترق ثم نبكي عليها ؟ ام هل سوف تمتد يداً لتقطع اليد التي تريد ان تحرق عمان ؟ ثم اين دور عشائر الاردن ورجالاتها وزعمائها الحقيقين من ذلك ؟
ام ان وراء الاكمة ما ورائها ، وانها هي الفتنة التي اعتقدنا انها وئدت تعود لتطل بوجهها عينا بشكل جديد ؟
حمى الله الاردن وحمى شعبه بمختلف مكوناته وحمى نظامه من كل عابث او جاهل او حاقد .
مروان العمد
٥ / ٦ / ٢٠٢١
ملاحظة : تمت كتابة هذه المقالة قبل احداث ليلة الاحد المؤسفة