بقلم : بسام البدارين
كيف وعلى أي أساس ومن أين بصورة محددة سيغادر رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز تلك الطائرة التي قال يوما إنها «خربانة» أو معطوبة واعدا بأن تجري لها عملية الصيانة «أثناء التحليق»؟
هل قام الرزاز بالصيانة اللازمة حقا وفعلا أم أن حكومته بعد عامين ونصف العام تقريبا كل ما فعلته هو تسلية الركاب وإيهامهم بأن الطائرة ستهبط قريبا ولو عبر آلية «تصريف الأعمال»؟
.. سؤالان مطروحان بقوة ونحن نراقب فانتازيا تداول السلطة في الأردن أو مسرحية تدوير النخب.
بحكم الحديث عن المجال الجوي وبدون استئذان أستذكر ما قاله لي يوما المخضرم عبد الإله الخطيب عندما سألته عن كيفية بناء الموقف في الإدارة الدبلوماسية الأردنية؟ فكان الجواب صادما في الجزء الذي لا أريد نشره منه ومثيرا للدهشة في الجزء اللاحق، حيث أن المعطيات برمتها أثناء التحليق على ارتفاعات منخفضة تعاملا مع المطبات الهوائية تعرفها كابينة القيادة الخبيرة فقط. وحيث أن الهبوط مكلف في بعض المواقف السياسية والدبلوماسية والارتفاع أعلى أيضا مكلف والبقاء في سكون التحليق على ارتفاع منخفض هو على الأرجح درب السلامة.
أغلب التقدير أن الطائرة التي يتحدث عنها خبير نختلف معه بالسياسة لكن نؤمن بقدراته الكبيرة ونستغرب عدم وجوده في المطبخ والتنفيذ مثل الخطيب تختلف في التكوين والتشكيل عن طائرة الرزاز.
سألتني العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية مباشرة بعدما أصبحت حكومة الرزاز آيلة للسقوط: أين كانت مشكلة مفكر مثقف حالم وعد الأردنيين بالهبوط؟
أشك شخصيا في أن أحدا يعرف حقا المشكلة.
ولكن جوابي كان على أساس تذكير الزملاء السائلين بأن أزمة أدوات الإدارة والحكم عندما تكون أفقية ومستقرة تتميز بالديمومة لا تمنح المراقب أو الذي يحاول التشخيص أي فرصة لتلمس مكان وزمان المشكلة فالجميع متهم في أزمة الأدوات.
ومن الطبيعي أن يثقب المواطن الحائر السقف فيحاول المساس بالمناطق الحمر والمحرمات وأحيانا المقدسات عندما لا يجد جهة محددة يلومها أو عندما يحاط بمجموعة من الفيلة التي تحطم فقط في حقل الجدار.
من الطبيعي أن يثقب المواطن الحائر السقف فيحاول المساس بالمناطق الحمر والمحرمات وأحيانا المقدسات عندما لا يجد جهة محددة يلومها أو عندما يحاط بمجموعة من الفيلة التي تحطم فقط في حقل الجدار
صدقا أصبحت الفرصة مؤاتية الآن ليس خوفا أو ترددا للتطرق إلى بعض تفاصيل الحوار حول الطائرة المعطوبة والذي دار بيني وبين الرزاز مباشرة وبحدة أحيانا بوجود نحو 20 شخصية وطنية.
قلتها للرجل وأمامه مباشرة بعد تعديل وزاري رابع بلا لون أو رائحة او طعم: نريد منك أن تشبه نفسك وأن تشبهك حكومتك.
رد الرزاز أمام الجميع بصيغة لا أذيع سرا إذا قلت إنها أدهشتني، فالأكاديمي والباحث والمثقف الناقد والمطلع على مدارس الفلسفة الدكتور عمر الرزاز أجابني قائلا: أنا وأنت ومن يشبهك ويشبهني ودعاة الاصلاح والتغيير والديمقراطية وتلك التيارات المدنية وغيرها لا نشكل أكثر من 2 في المئة من المجتمع الأردني.
كاد رئيس الوزراء في تلك المناقشة أن يقول لي: «من أنا… من أنت… من أنتم… من نحن»؟
الجملة كانت انفعالية على غرابتها لكني تذاكيت قليلا وتذكرت بأن الحكومة في ذلك الوقت وبنسبة 40 في المئة كانت تمثل أحد البنوك التجارية بمعنى يحق لي كمواطن أن أسأل رئيس الوزراء: نحن وأنت وأنتم نسبتنا 2 في المئة لماذا يحصل بنك واحد على نسبة تمثيل 40 في المئة في مجلس الوزراء؟
طبعا هذا نقاش بمقطع جزئي انطلق من قصة الطائرة. لكن الأهم في الاجابة على السؤال المركزي أنه ليس بالضرورة عندما تحب الدولة أحدا ما أن يكون مؤهلا لموقع وبالضرورة الحتمية سيبدع كل شخص يختار لمواقع المسؤولية من أجل مصلحة الوطن تحديدا في المكان الذي يجيد الانتاج فيه.
شئت أم أبيت أنا أم غيري، الرزاز باحث متميز يبدع خلف الستارة وهو من القلة في النخبة الأردنية الذين يمكن أن تناط بهم مهام عصف ذهني في الغرف المغلقة تقود حكومات الميدان، ولعل ذلك ينطبق على رؤساء وزارات ووزراء كثيرين تم توريطهم وتوريط الوطن بالنتيجة بأدوار وحصص ومقاعد لهم قد لا تناسبهم.
يقودنا الاستنتاج إلى الخلاصة وبصرف النظر عن التقييم والإخفاق والنجاح إلى أن المطلوب قبل أي اعتبار آخر لوضع الأردن على بداية سلك المواجهة للإشكالات والملفات مرة أخرى ودوما مواجهة الحقيقة مع أزمة الأدوات.
والمطلوب بكل بساطة العودة إلى الكفاءة المرتبطة بالاستقلالية المهنية وإلى زعماء المجتمع الحقيقيين دون المجازفة بتعميق أزمة الأدوات وصناعة المزيد من الشرائح التي تحظى بلقب معالي فقط وعلى أساس تجريب ولو مرة واحدة أسلوب جديد يقضي بأن يفهم الوزير أيا كان عندما يتم اختياره لماذا أصبح وزيرا وما الذي ينبغي أن يفعله ولماذا سيغادر موقعه في النهاية.
عمليا طائرة الرزاز لم تهبط بعد. ولا توجد قرائن أو أدلة حتى اللحظة على الأقل بأن عملية الصيانة أجريت حسب الأصول.