وطنا اليوم – أجّلت محكمة بيت لحم في الضفة الغربية، محاكمة المتهمين في قضية تحظى بمتابعة واسعة في الأراضي الفلسطينية، وهي قضية إسراء غريب، للمرة الثانية على التوالي، بسبب عدم تمكن الشرطة من إحضار المتهمين من مركز التوقيف في مدينة رام الله، إلى مقر المحكمة في مدينة بيت لحم، الثلاثاء الماضي، على خلفية وقف التنسيق مع السلطات الإسرائيلية.
وفي مايو الماضي، أعلنت القيادة الفلسطينية وقف اتفاقيات التنسيق الأمني مع إسرائيل بسبب مخطط الأخيرة الساعي إلى ضم مستوطناتها في الضفة الغربية المحتلة ومنطقة غور الأردن الاستراتيجية.
كانت إدارة مركز التوقيف ببيت لحم قررت نقل المتهمين الثلاثة في قضية مقتل إسراء، وهم شقيقاها وزوج شقيقتها إلى مركز التوقيف في رام الله، إثر اضطرابات وقعت في السجن. وبعد وقف التنسيق الأمني والمدني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، في مايو الماضي، لم تتمكن الشرطة الفلسطينية من نقل المتهمين الثلاثة إلى مقر المحكمة في بيت لحم من إجل استكمال محاكمتهم، وذلك بسبب الحاجة إلى قوة مسلحة لمرافقة متهمين في قضايا جزائية كبيرة مثل القتل.
عشرات القضايا العالقة
وقال رئيس مجلس القضاء الأعلى، رئيس محكمة العدل العليا القاضي عيسى أبو شرار، لـ”الشرق”، إن المحاكم لم تتمكن من النظر في عشرات القضايا خلال الشهور الأخيرة، بسبب عدم قدرة الشرطة على نقل متهمين من مراكز التوقيف إلى مقرات المحاكم. وأضاف: “على سبيل المثال هناك سجن للجنائيين في مدينة الظاهرية جنوب مدينة الخليل، بينما المحكمة في مدينة الخليل، وفي محافظة قلقيلية، شمال الضفة الغربية، هناك محكمة لكن لا يوجد سجن، والموقوفون موزعون في سجون في المحافظات الأخرى”.
ودعت هيئات حقوق الإنسان ومجلس القضاء الأعلى، إلى تعديل القانون لإتاحة المحاكمة عن بعد لمواجهة هذه المشكلة.
وقال مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق المواطن، عمار دويك، لـ”الشرق”، إن القانون الفلسطيني الساري منذ عام 2000 يشترط الحضور الشخصي في المحاكمات، مطالباً بتغييره على نحو يسمح بالمحاكمة عن بعد. وأضاف: “لقد عدلت الدول المجاورة مثل الأردن وإسرائيل قوانينها في ظل جائحة كورونا على نحو يسمح بالمحاكمة عن بعد، وهناك حاجة لتعديل القانون الفلسطيني لسببين، الأول، هو ظروف الجائحة، والثاني هو عدم القدرة على نقل متهمين إلى المحاكم في ظل وقف التنسيق مع إسرائيل”.
وتوقف البرلمان الفلسطيني عن العمل منذ الانقسام في عام 2007، ثم جرى حله قبل عدة سنوات دون إجراء انتخابات عامة بديلة.
وقال دويك، إن سرعة البت في القضايا “تعتبر أحد شروط العدالة”، مضيفاً “هناك أشخاص موقوفون منذ 8 سنوات، وكان من المقرر أن تجرى محاكمتهم في الشهور الماضية، ونحن نعتقد أن بعضهم سيحكم عليه بفترة أقل من تلك التي أمضاها في السجن، وهذا مخالف لمبادئ العدالة”.
وأقر رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي عيسى أبو شرار، بأن التأخر في محاكمة الموقوفين “ينال من حقوقهم”. وأضاف أن تأخر محاكمة بعض الحالات “يؤدي إلى إطالة أمد السجن على نحو يمس بحقوق الموقوفين، وأن العمل جارٍ على دراسة خيارات بديلة”.
وأشار أبو شرار، إلى أن بعض هذه المعالجات “تتطلب تغييراً في التشريعات، وتوافقاً بين جهات عدة مثل الأمن والنيابة العامة والقضاء، ولذا فإن هذه التعديلات لن تكون سريعة، فقد تستغرق بعض الوقت”.
تداعيات اقتصادية
وألقى وقف العلاقة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل بظلاله على مناحٍ كثيرة في حياة الفلسطينيين.
ومن بين الآثار المترتبة على ذلك، وقف التحويلات الجمركية التي تشكل 65% من ميزانية الحكومة الفلسطينية، ما جعلها غير قادرة على دفع رواتب موظفيها بصورة منتظمة. وبدأ المعلمون إضراباً عن التعليم الحضوري هذا الأسبوع بسبب تلقيهم نسبة 50% من راتبهم فقط منذ مايو الماضي.
وأدى وقف التنسيق مع السلطات الإسرائيلية أيضاً إلى وقف تسجيل المواليد الجدد في السجلات الإسرائيلية، ما يحول دون قدرة عائلات هؤلاء المواليد على اصطحابهم معهم خارج البلاد أثناء السفر، بسبب عدم وجود أسمائهم وأرقام بطاقاتهم في السجلات الإسرائيلية على المعابر. وقال مسؤولون في وزارة الداخلية لـ”الشرق”، إن عدد هؤلاء المواليد بلغ أكثر من 50 ألفاً.
كما طالت تداعيات القرار أيضاً، تنقل دوريات الشرطة والأمن بين المدن والقرى التي تسيطر إسرائيل على معظم الطرق الرابطة بينها.