وطنا اليوم – كتب المحامي علاء مصلح الكايد عبر صفحته في موقع التواصل فيسبوك رواية تحت عنوان “سأتحدث هذه المرة عن نفسي” و تاليا ما كتبه الكايد وماذا كان يقصد:
سأتحدث هذه المرة عن نفسي”، عن شخص لعبت متنافرات السياسة دوراً في بناء شخصيته بما لم يكُن مُتخيَّلاً! فأنا وإن كنت أغبط من له خطٌّ سياسيٌّ واحد فإني أعدّ نفسي محظوظاً بالوصفة الغريبة التي أثّرت في فكري السياسيّ وأثرَته.
فأنا إبن ” جلال ” ذاك هو الإسم الحركيّ لأبي، وكم من مرّة تلقيت هذا السؤال على سبيل الدعابة من بعض رموز المعارضة لا سيّما اليساريين ” إنت إبن جلال “؟!
فوالدي هو ذاك الصندوق الأسود الذي يرفض كتابة مذكراته، الذي يعرفه كثير من المعارضين وربّما عائلاتهم، فمعظم الناس تعرفه مديراً أسبقاً لمكافحة الفساد لكنها كانت محطة في مسيرته الإستخبارية، وكان هناك الكثير قبلها والقليل بعدها.
ورغم ذلك، أنظر حولي فأجد ” زبائن الوالد ” من اليساريّين باتوا أصدقاءا لي وليسوا بأعداء له، وأراهم من أشدّ الداعمين لي ولكتاباتي، وكثير منهم قد أثنوا على فكري حتى لوالدي، منهم من سبق له وأن سجَنَهم!
فأنا ومع تلك ( الخلطة ) الغريبة من الفكر بين التأسيس والإكتساب، أجد نفسي متفقاً مع والدي – وبذات الحدّيّة – على الثوابت، بينما أجد لنفسي مساحة خاصة مجبولة بكلّ تلك المتنافضات قد لا تتفق مع أيّ فكرٍ مطروح على الساحة، وبصورةٍ أدقّ؛ أجد نفسي على نقيضٍ تامّ مع الإسلام السياسيّ، وفي حالة إشتباك مستمرّ مع اليسار لأسباب أستطيع القول أنّها إرثيّة في عقلي الباطن لكن لا مشكلة لديّ في مخالطة أنصاره والإتفاق معهم حول العديد من القضايا، حيث أنّي مؤمن إيماناً مطلقاً بضرورة تحقيق العدالة الإجتماعية وتوسعة مظلة الخدمات المجانية في الصحة والتعليم وإزالة الفجوات الطبقية الكريهة الطارئة على مجتمعنا، لكني أناصر ذلك إستناداً لمبادئ الأديان السماوية وأوّلها الشريعة الإسلامية، وليس من بوابة اليسار والشيوعية.
أنا ذاك الطفل الذي كان يصحو فجراً على صوت نداء الجهاز – وقد كان المنادي في كثير من الأحيان هو الباشا ” أبو ساره ” مدير المخابرات الحالي الذي رفض إجراء عملية جراحية دون حضور والدي خشية من أن يقول شيئا تحت التخدير – ويرى والده يحمل سلاحه قبل خروجه من المنزل، ثم كبر ذاك الطفل فأقام الآذان في المسجد الملاصق للمنزل وتسلّل لأداء صلاة الفجر فيه خلسة قبل أن ” يشحطني ” والدي، إذ ظهر أن شكوكه كانت في محلها وأن قبوَ المسجد كان يستخدم للتدريب على فكّ وتركيب السّلاح! وبالمناسبة هو ذات المسجد الذي أدّى فيه جلالة الملك صلاة الجمعة قبل أعوام سائراً نحوه من بوابة بيت الأردن على الأقدام.
أنا إبن تلك الصبورة المثالية التي أمّنها زوجها هي وأولادها في العقبة خلال رحلة وعاد إليهم في الصباح بعد أن كان إلتقط ” هدفاً ” على الطريق كَمَنَ له مع زملائه وباشر التحقيق معه! الأم التي لم تكُن تنام الليل حتى يرجع والدي من واجبٍ لم نكن نعلم عنه، ولم تكن هي على يقين إن كان سيعود منه أم لا!
ثم كبر ذلك الفتى ليجد نفسه منجذباً لمطالعة روايات المناضلين والمسجونين السياسيّين والكتب المحظورة! وقد جمعتُ ما إستطعت من تاريخ أمّتنا العربية بنقائضه وفنتازيته! البعثيّة والعبثيّة واليسارية والقومية والإسلامويّة، ومؤلفات ” ميكيافيللي ” التي قرأتها غير مرة وما أزال، وألممت بتاريخ الأخوان المسلمين بالكامل، لأجد نفسي بالمحصّلة قنوعاً بالنظرية السياسية الرابعة لألكسندر دوغين الذي إختطّ مساراً سياسياً جديداً يقوم على تجاوز كلّ ما سلف من نظريات سياسية أكل عليها الدهر وشرب!
نعم ما زال يستفزني من يصف نفسه بالمعارض، رغم أني قد أشتبك من الموصوف بالولاء أكثر من إشتباكي معه!
نعم أستطيع القول أني عشت حالة من الفصام السياسي قبل أن يستقرّ بي الحال في الوسط، فأنا أعشق العرش وأشتبك مع الحكومات، أتعاطف مع المقهور بحكم الطبيعة والفطرة، أرفض المقص الأمنيّ في العديد من الملفات، وأحبّ رجال الأمن كحبّي لأبي، وقد أختلف معهم أحياناً رغم أني أجد نفسي متعصّباً في بعض الحلقات أكثر منهم! أحب دائرة المخابرات بكل شبر فيها، ففي نادي ضباطها كان لقائي الأول بزوجتي! في نادي الضباط صغاراً وشاليهات العقبة كباراً!
أنا مزيج من كل تلك المتناقضات، أحترم صاحب العقيدة وأُعلي شأن القابض عليها مهما كان إتجاهه طالما إلتزم بالقنوات القانونية والأخلاقية، أنتظر فكراً سياسيّاً يُطرح على الساحة الوطنية فيستهويني، ولن أدّخر جهداً في صناعته أو المشاركة في صنعه إذا قُدِّر لي ذلك.
وأفتخر بأنّي المحامي الوحيد الذي تشرّف بلقاء جلالة الملك ونال وسام ثناءه كسياسيٍّ وإعلامي، وأنّي كنت أصغر الحضور سنّاً في ذلك اللقاء، وتلقيت بعدها تذكاراً من سموّ وليّ العهد منحني جرعة تشجيع هاشمية شبابية عَنَت لي الكثير.
أنا ذلك الشاب الذي صقل الأمنيّ واليساريّ واليمينيّ شخصيته، وتنازع القانون بحَرفيّته والسّياسة بدهاليزها عقله! لأكون ما أنا عليه.
وما السّرديّة الطويلة أعلاه إلّا إجابة عن سؤال متكرّر، هل أنت موالٍ أم معارض؟ إنّما أنا موالٍ للعرش ناقدٌ للحكومات، شأني بذلك شأن كلّ وأيّ أردنيّ!
(هو لواء المخابرات المتقاعد مصلح الكايد العبادي )