وطنا اليوم:انتشر الإسلام في الهند أولاً عبر التجارة، مثلها مثل الصين، فقد انطلق التجار العرب إلى أقطار الأرض في رحلاتهم التجارية، بين الشام واليمن، لكنّ نطاقاً آخر كان أيضاً ضمن بوصلتهم التجارية، من خلال بحر العرب، منطلقين إلى بلاد السند (باكستان) والهند.
وهكذا دخل الإسلام في الهند بشكلٍ فرديّ منذ بدايات الدعوة الإسلامية، وتحديداً في الموانئ الهندية، أصبح هناك مسلمون بنوا بعض المساجد ومارسوا طقوسهم الدينية. ومع توسُّع الدولة الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب ومن بعده، بعدما حاز المسلمون ملك الفرس الذي امتدّ حتّى حدود السند والهند، أصبحت الهند على الحدود مع الدولة الإسلامية.
جاءت أولى أفكار المسلمين بفتح بلاد الهند في عهد عمر بن الخطاب، لكنّها لم تحدث، ويبدو أنّ بُعد البلاد وضخامتها حالا دون فتحها في ذلك الوقت. وخلال فترات الدولة الإسلامية الأولى حدثت مناوشات بين الدولة الإسلامية وبعض الدول والإمارات في الهند، لكنّها لم ترقَ لمواجهةٍ حاسمة.
بدأ أول الفتوحات الإسلامية في بلاد السند والهند في عهد الأمويين، على يد القائد الشاب محمد بن القاسم، الذي استطاع فتح بلاد السند وعمره 17 عاماً فقط، بعد أن اعتدى الملك راجا داهر على بعض التجار المسلمين وسبى نساءهم.
مثّل فتح محمد بن القاسم لبلاد السند (باكستان) قاعدةً لاحقاً لمعارك مستمرة بين الدولة الإسلامية الواقعة على الحدود مع بلاد الهند.
بشكلٍ عام، بدأ القادة الأمويون اقتطاع بعض المساحات من غربي وشمال الهند، لكن مع العصر العباسي توقّفت المعارك والصراعات مع الهند، وفق ما يذكره دكتور عبدالمنعم النمر في كتابه “تاريخ الإسلام في الهند”.
ومع تفكُّك الدولة العباسية وضعف الخليفة، نشأت وتأسست دولة إسلامية في ربوع الدولة العباسية تنتمي للدولة اسماً فقط. كان الخليفة صورياً، يعطي “شرعيةً” لهذا السلطان أو ذلك، وهكذا اتخذت هذه الدول الجديدة موقعها في مواجهة بلاد الهند. وهكذا دخل الإسلام، وسط صراعات شبه القارة الهندية (الهند وبنغلاديش وباكستان وبوتان ونيبال).
محمود الغزنوي.. 17 معركةً في بلاد الهند!
ولكن بشكلٍ عام حكمت الهند خلال 800 عام حوالي 6 دول إسلامية. ولم يكن عمر بعض هذه الدول يتخطّى نصف قرن. كما أنّنا عندما نحكي عن الهند فهذا لا يعني أننا نقصد حدودها الحالية بالضبط، إذ لم تكن الحدود الحالية هي المعتمدة حينها، فغالباً ما كانت الدول الإسلامية في تلك المنطقة ما تتداخل مساحاتها بين الهند وباكستان وأفغانستان وإيران.
وكانت أوّل هذه الدول هي الدولة الغزنوية التي تأسست في مدينة غزنة عام 961 واستمرت قرابة قرنين من الزمان حتّى سقوطها عام 1187، وقد أسسها ألب تكين، وأرسى قواعدها أحد عبيده وقادته: أبومنصور سبكتكين.
دخلت قبائل الأتراك، وموطنهم آسيا الوسطى الإسلام في ذلك الوقت، وأسست دولها ضمن نطاق الخلافة العباسية، وهكذا تأسست الدولة الغزنوية، التي كان محمود الغزنوي أبرز وأعظم سلاطينها.
تولى محمود الغزنوي عام 998 وحكم طيلة 32 عاماً حتى وفاته عام 1030. استطاع محمود الغزنوي توسيع رقعة دولته بشكلٍ لم يفعله والده ولا ألب تكين، فضمّت الدولة في عهده أغلب بلاد باكستان وأجزاء من أفغانستان وإيران، وكانت ضربته القاضية هي الهند.
عبر 17 حملة قادها محمود الغزنوي إلى الهند، أسّس للوجود الإسلامي/التركي/المغولي في بلاد الهند طيلة 8 قرون من الزمان، وهو ما جعل البعض يلقبه بـ”الإسكندر الثاني”. ولكن بوفاته ضعفت الدولة، وضاعت أمام الضربات القوية لدولة الغوريون الناشئة، القادمة من جبال أفغانستان، وهو نفس الموطن الرئيسي للدولة الغزنوية.
دول إسلامية متتالية تحكم الهند
كما قلنا سابقاً، تأسست دولٌ إسلامية كثيرة في الهند، لم يستمرّ بعضها نصف قرن، مثل دولة الغوريين. وأصلهم من أحد القبائل الأفغانية التي دخلت الإسلام في القرن العاشر الميلادي. وضعوا أنفسهم في خدمة الدولة الغزنوية، حتّى استطاعوا تأسيس دولتهم في إحدى المناطق في إيران، ومنها انطلقوا لغزو العاصمة الإسلامية دلهي، واستطاعوا إسقاط آخر ملوك الغزنويين وأسسوا مملكتهم الخاصة في الهند.
كان شهاب الدين محمد الغوري أبرز ملوك هذه الدولة، وبوفاته انتهت الدولة تقريباً، لتقع في يد أبرز قادته قطب الدين أيبك الذي أسس الدولة المملوكية في الهند. وقد استمرت تلك الدولة تحكم الهند طيلة 90 عاماً، وكما حدث مع سابقتها، فقد سقطت عام 1290 تحت الضربات المتتالية للدولة الخلجية.
لم تستمر الدولة الخلجية في الحكم أكثر من 31 عاماً، لتسقط بدورها تحت ضربات الدولة التغلقيّة، التي حكمت الهند قرابة القرن، من عام 1320 وحتى 1413. وقد حكمت هذه الدولة أغلب مساحة الهند الحالية، إضافةً إلى أطرافها في أفغانستان وباكستان الحاليتين.
مع سقوط الدولة التغلقية في الهند وقعت الهند في اضطرابات كثيرة، ولم تعد الهند موحدة تحت سلطانٍ واحد. واستطاعت سلالة أفغانية أخرى أن تتولّى الحكم في الهند، لكنّها لم تحكم مجمل الهند، وحكم اللودهيون من عام 1451 وحتى عام 1526 عندما انهزموا أمام ظهير الدين بابر مؤسس الدولة المغولية في الهند. وقد انحدر من فرغانة في أوزبكستان الحالية.
بوصول بابر إلى حكم الهند تأسّست أعظم دول الإسلام في الهند وآخرها: دولة المغول المسلمين في الهند. فقد حكمت هذه الدولة منذ عام 1526 وحتى عام 1857.
وقد بلغت دولة المغول المسلمين في الهند أقصى اتساعها في عهد حفيد بابر جلال الدين محمد أكبر، وقد حكمت هذه الدولة في أقصى اتساعها مجمل أراضي الهند الحالية وباكستان وأجزاء من أفغانستان.
كانت نهاية دولة المغول المسلمين في الهند، بل نهاية حكم الإسلام للهند مع الاستعمار البريطاني للهند، عندما نفى البريطانيون آخر أباطرة دولة المغول المسلمين محمد بهادر شاه عام 1857.
نُفي الإمبراطور الذي لم يكن يملك من السلطة أصلاً شيئاً إلى مدينة رانكون في بورما الآن، وتوفي عام 1868، وعمره 89 عاماً. وبعد الاستعمار، لم يعد للمسلمين تمثيلٌ سياسي في الهند، فانفصل جزء من مسلمي الهند عنها وأسسوا دولة باكستان، وأصبحت الدولتان عدوّتين حتّى الآن.
كانت هذه قصّة 800 عام من حكم الإسلام للهند، قبل أن يأتي الاستعمار البريطاني ويقضي على آخر ممالك المسلمين فيها.