وطنا اليوم:نشر موقع “ميدل إيست مونيتور” البريطاني تقريرا تناول قصة الفلسطيني من غزة، لؤي البسيوني، المهندس في وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا”.
وفي التقرير يروي الموقع تفاصيل عن البسيوني، الذي يستعد لدخول التاريخ، ليس للمرة الأولى وحسب، بل للثانية، في إنجاز كبير له في “ناسا” بعد قصة كفاح طويلة.
وكافح البسيوني قبل وصوله إلى أمريكا لدراسة الهندسة، من صعوبة العيش في القطاع وانتهاكات الاحتلال ضد عائلته، وفي غربته في الولايات المتحدة.
والبسيوني هو المهندس الكهربائي الذي يشرف على الطائرة العمودية، التي نزلت مؤخرا على سطح الكوكب الأحمر “المريخ”، وسيقوم بإنجاز تاريخي آخر بتحليق طائرة عمودية على سطح الكوكب ذاته.
وتاليا نص التقرير:
عاد مهندس الكهرباء الفلسطيني لؤي البسيوني، والذي كان جزءاً من فريق ناسا الذي أرسل مركبة الفضاء “بيرسيفيرانس” (المثابرة) إلى المريخ الشهر الماضي، للبروز مجدداً بينما تستعد الوكالة الفضائية لأول تحليق بطائرة عمودية فوق المريخ هذا الصباح. لا تبعد الطائرة العمودية “إنجينيويتي” (البراعة)، التابعة لناسا في المريخ، سوى ساعات عن أول محاولة بشرية للتحكم بطائرة تحلق فوق كوكب آخر.
البسيوني هو المهندس الكهربائي الذي يشرف على الطائرة العمودية التي أنزلت مؤخراً على سطح الكوكب الأحمر. إذا ما قدر لهذه المهمة أن تنجح فلسوف يسطر هو وفريق ناسا أسماءهم في كتب التاريخ، تماماً كما فعل الأشقاء رايت في عام 1903 لقيامهم بأول رحلة على متن طائرة تعمل بالطاقة. إلا أن مشروع ناسا يتفرد بأنه يجري تنفيذه بعيداً جداً خارج الغلاف الجوي للأرض.
نشأ البسيوني في بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، وشهد الانتفاضة الأولى (1987-1993). وتعلم في مدرسة تابعة لوكالة غوث اللاجئين في غزة. يقول عن ذلك: “لقد علمني ذلك منذ الصغر ألا أستسلم أبداً لأن بإمكانك أن تحقق حلمك”.
علمته البيئة الصعبة في بلدته الإبداع والثبات والمهارات وأكسبته الخصال التي كثيراً ما تتحلى بها غزة وتصدرها إلى العالم.
وفي عام 1998 سافر إلى الولايات المتحدة لدراسة الهندسة، ولم يتمكن من زيارة غزة إلا في عام 2000. يقول عن ذلك: “في الواقع، كانت تلك هي المرة الأخيرة التي أذهب فيها إلى هناك”.
ورغم أنه تعلم الكثير في غزة عن الاعتماد على الذات، إلا أن الانتقال إلى الولايات المتحدة كان صادماً، إذ يقول: “كان الواقع أصعب بكثير مما توقعت. كل شيء كان مكلفا جدا، من إيجار السكن إلى رسوم الجامعة، ولذلك اضطررت للعمل في العديد من الوظائف في المطاعم وفي توصيل البيتزا”.
لم يحل ذلك بينه وبين التسجيل في الجامعة، حيث قادته دراسته في نهاية المطاف إلى تحقيق حلمه. ولكن، مع ذلك، كانت ما تزال هناك عقبات، ليس أقلها هجمات الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك وواشنطن.
وعن ذلك يقول: “أصبحت الحياة بعد الحادي عشر من سبتمبر غاية في الصعوبة، ولم أتمكن من دفع رسوم الدراسة، ولم يتمكن والدي من المساعدة على الإطلاق، لأن إسرائيل جرفت بساتين البرتقال والزيتون التابعة للعائلة”.
ويقول البسيوني، الذي اضطر لتعليق سنته الثانية من دراسة الهندسة في الجامعة: “احتجت للعمل سنة أخرى بدون توقف لأوفر بعض المال. كما انتقلت إلى الجامعة في لويزفيل”.
وفي لويزفيل أنهى البسيوني دراسته وحصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة خلال عامين، وأتبعها بعد عام واحد بالحصول على درجة الماجستير. وبعد التخرج عمل في شركات مختلفة للحصول على الكثير من الخبرة في مجال المحركات وأجهزة التحكم الكهربائية.
وفي عام 2012، انضم إلى شركة تعمل على تصميم طائرة كهربائية، وانتهى به المطاف في العمل لدى ناسا في تصميم الطائرة العمودية الخاصة بالمريخ، حيث حصل على عدد من الجوائز التقديرية.
ويقول عن ذلك: “وقع الاختيار علي لأكون المهندس المشرف على فريق الطائرة العمودية في ناسا. وكنت مسؤولاً عن المحرك/ المتحكم، وعن خوارزميات المحرك، واختيارات المحرك المؤازر، وأجهزة التحكم بالمحرك المؤازر، وجميع المراسلات والاتصالات بين ذلك وبين صندوق السخونة الرئيسي”.
باختصار، قال بفخر: “أنا من طور أجهزة التحكم في العاكس والمحرك المؤازر للطائرة العمودية “إنجينيويتي” التي صممتها ناس للاستخدام في المريخ”.
بعد أن أنزلت ناسا مركبتها الخامسة “بيرسيفيرانس” على سطح المريخ في الثامن عشر من شباط/ فبراير، عبر نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في المناطق الفلسطينية المحتلة، وخاصة في بيت حانون، عن اعتزازهم الكبير بإنجاز البسيوني.
وتحدثت كافة وسائل الإعلام الدولية والمحلية عن حكاية المهندس الفلسطيني من قطاع غزة المحاصر. ويبدو أن صورة البسيوني غدت معلقة على كل جدار في بلدته بيت حانون.
ويقول عن ذلك: “أدهشني رد الفعل، وخاصة في غزة. فلسطين هي موطني، ومازلنا نملك أرضاً وبيوتاً في غزة”.
يتفاعل البسيوني جيداً داخل ناسا وضمن المجتمع المحلي في الولايات المتحدة، حيث يُعرف عنه أنه ينحدر من فلسطين المحتلة. ويقول في ذلك: “إن الفريق الذي أعمل معه متعدد الأعراق والأوطان. يقبل بعضنا ببعضا، رغم ما بيننا من تباينات”.
وأخبرني أن الوضع الآن مختلف تماماً عما كان عليه في فترة الحادي عشر من سبتمبر، ويقول: “في الكلية، تعرضت لاعتداء من بعض الطلبة السكارى عندما كنت أقوم بتوصيل البيتزا. حاولت الشرطة العثور عليهم، ونشرت الصحافة المحلية تقريرا عن ذلك”.
وعلى الرغم من أن البسيوني تغرب عن غزة لما يزيد عن عشرين عاما، إلا أنه مدرك لما يجري هناك تحت وطأة الحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع. ولم تنل الغربة من حبه وشعوره بالمسؤولية تجاه وطنه، وذلك على الرغم مما يفصله عن فلسطين من بعد في المسافة وتطاول في الزمن، ولا ينفك عن العمل بجد لكي يمثل وطنه ويساعده.
ويقول البسيوني: “أنا نشيط جدا في قضيتنا الفلسطينية. أتطوع للعمل مع العديد من المنظمات غير الحكومية التي تساعد الناس في فلسطين، في التعليم وفي غيره من المجالات، على سبيل المثال. وأثناء العدوان العسكري على غزة، كنت أتواجد في الخطوط الأمامية للمظاهرات، بل وتحدثت أيضاً مع أعضاء في الكونغرس الأمريكي سعيا للحصول على المساعدة بأي طريقة ممكنة”.
ويحتل الفلسطينيون في الشتات مواقعهم إلى جوار بعض عظماء العالم في مختلف المجالات. وإنجازاتهم أكثر من أن تحصى. وها هو لؤي البسيوني، الغلام الذي ولد في قطاع غزة، يحلق في الآفاق، بكل ما تعنيه الكلمة، مع ناسا.
ومن المؤكد أن إنجازاته في برنامج استكشاف المريخ لن تكون الأخيرة.