وطنا اليوم – ايمان المومني- يحرص أبناء المجتمع الاردني الواحد على تقديم واحب العزاء من منطلقات دينية واجتماعية وتعاضدية، الامر الذي ينم عن الشعور والمواساة مع مصاب الموت للتخفيف عن معاناة وحزن أهل الفقيد.
وقبل العام المنصرم الذي فرض فيه قانون الدفاع منع التجمعات حماية لصحة الناس من عدوى لا ترحم بسبب جائحة كورونا، تحول العزاء وكل مراسمه من مصافحة وعناق، يعبران عن عمق المواساة، إلى حدث إلكتروني رقمي جاف، ينعى الاموات وينهيها بـ”إنا لله وإنا اليه راجعون” وبأرقام هواتف من هم على صلة بالفقيد، ليس إلا.
خبراء أشاروا عبر وكالة الأنباء الأردنية (بترا) إلى أن منع بيوت العزاء، لم يأت اعتباطيا، بل وجد لحماية الناس من المخالطة، شأنه شأن أي تجمع آخر، حيث التزم البعض، فيما جنح البعض الآخر، لتجاوزات لم تكن على قدر المسؤولية الوطنية والصحية، لكن الانسانية بوجه عام، مضيفين، “افتقدت حميمية المواساة حتى صار العزاء باردا، ولا حول للبشرية ولا قوة على تغيير هذا الواقع، إلى أن تعود الحياة لطبيعتها بعد ان يأخذ اللقاح مساحته على اكبر عدد ممكن من سكان الكرة الارضية”.
وتحدثت الخمسينية نعيمة عن موت زوجها في بداية الجائحة، قائلة: على الرغم من الاثر الايجابي الذي لعبته وسائل التواصل الإلكتروني في الحد من انتشار العدوى، سواء بالعمل عن بُعد او التعلم عن بُعد وتخفيف وطأة الحظر الشامل بالتواصل الكترونيا، الا ان الامر لا يخلو من تجارب مريرة ومؤلمة لعدم القدرة على التواصل الطبيعي.
واضافت: دخل زوجي في غيبوبة مع بداية الحظر الشامل، وبعد وفاته “رحمه الله” لم نتمكن من فتح بيت للعزاء كما هو معتاد فكان العزاء الكترونيا بمئات الرسائل والمكالمات يوميا، في الوقت الذي يكون فيه الشخص احوج ما يكون لمواساة الأهل والاقارب وتشجيعهم عن قرب.
وفي السياق ذاته، قال الشاب مصطفى الذي فقد والده اثناء الجائحة: خفف التواصل الالكتروني للمواساة من التكلفة المالية على الناس، بل ووثق الكترونيا من قام بالمواساة، ولعل ذلك فائدة من فوائد “العزاء الالكتروني” حيث لا يتنبه أهل العزاء لمن قدم هذا الواجب ولمن لم يقدمه، خاصة في الأيام الأولى للموت، حيث المصيبة تغطي على وعي وادراك الناس.
واضاف مصطفى: “اعتقد ان لقاء أقل عدد ممكن، ولا يزيد عن 10 أشخاص من أهل المتوفى ضمن التباعد وارتداء الكمامات واستخدام المعقمات، يقدم جرعة لا بأس بها من المواساة، فضلا عن والدعاء للمتوفى بالرحمة ولذويه بالصبر والسلوان”.
أستاذة العمل الاجتماعي في جامعة اليرموك الدكتورة آيات نشوان قالت: لا يمكن أن تكون إشارة الوجه الحزين أو العبارة المقتضبة للتعزية، عبر مواقع التواصل الاجتماعي او التطبيقات الذكية، بديلاً عن التعزية المباشرة وجهاً لوجه، ولكن، هي الحد المتاح من وسائل العزاء حاليا، خاصة بعد أن ساهمت بيوت العزاء في نشر الفيروس.
وأضافت: تجاوزت هذه الظاهرة أهل الفقيد أنفسهم لتمتد لكل من يتابع وسائل التواصل الاجتماعي وبشكل خاص “الفيسبوك”، ليطالع يومياً مئات التعازي الالكترونية، مما ترك أثراً كبيراً على المتلقي، ليتسلل الخوف اليه من أن يفقد قريباً أو صديقاً أو أن يكون هو الفقيد القادم.
وقالت نشوان: إن التعزية والتهنئة بـ”وجه حزين أو وجه فرح” و “مبارك، وعظم الله أجركم “، ربما سينعكس بشكل سلبي وعلى المدى البعيد، في حال استمرار الجائحة، على التماسك الاجتماعي بين أفراد المجتمع وقربهم الحقيقي من بعضهم بعضا.
بدوره، بين الاستاذ المساعد في الجامعة الاردنية للطب النفسي الدكتور فراس الحبيس، أن التعبير عن مشاعر الحزن عبر “التواصل الاجتماعي” هو المدى المتاح حاليا، وهو أفضل من عدمه، منعا لحدوث العدوى، وان “لم تستطع الوقوف بجانب احدهم من خلال عناقه وزيارته، فانت الان بجانبه من خلال الرسائل الالكترونية خوفا منه وعليه” .
وأشار الى القرب المكاني في الدراسات النفسية له اشارات قوية بين الاشخاص، ما يزيد من القدرة على التعبير عن المشاعر، ولكن للضرورة أحكام، فما بالكم لو كانت ضرورة لحماية البشرية من وباء قاتل؟عميد كلية العلوم الاجتماعية في جامعة مؤته الدكتور حسين محادين قال ان العدوى التكنولوجية عبر وسائل التواصل الاجتماعي سارعت في تلبيد مشاعرنا كبشر، وبالتالي لم تعد تلك المشاعر دفاقة كما كانت من خلال اللقاء الوجاهي او من خلال العناق او من خلال تبادل الحديث وجهاً لوجه، او تبادل التعازي والافراح كما كنا من قبل، والمطلوب الان اعادة رقمنة حياتنا.
وأستدرك محادين، لكن التباعد الجسدي في زمن كورونا، هو الاساس الذي يجب ان نركز عليه، في زمن كورونا، وحتى اشعار آخر.