الدولة الاردنية لا تقبل الإختزال وترفض التشويش والتهويش

26 مارس 2021
الدولة الاردنية لا تقبل الإختزال وترفض التشويش والتهويش

بقلم د.احمد الشناق
الأردن يعايش دكتاتورية الجغرافيا الصعبة ، منذ نشأة كيانه السياسي بمنطقة شهدت منذ مطلع القرن الماضي الهيمنة والإستلاب وصراع النفوذ والأطماع والإحتلال ، وديمغرافيا متحركة بهجرات قسرية ، وأنظمة غير مستقرة بصراعات دامية …
منذ مطلع قرنٍ مضى نشأ كيانه السياسي شأن الكيانات السياسيه الأخرى بعد زوال الحكم العثماني ، كإمتداد لرسالة الثورة العربية الكبرى بنشدان الوحدة العربية ونهضة الأمة ، والتي واجهت ما واجهت أمام دول عظمى منتصرة بحرب كونية تقاسمت المنطقة بهيمنتها ونفوذها …
فنشأة كيان الأردن السياسي جاء بهدف وحدوي نحو سوريا الكبرى ، وبمواجهة مشروع صهيوني تنبه له الأردنيون مبكراً وقبل قيام كيانهم السياسي ، والذين ادركوا منذ البدايات ، بأن حدود المشروع الصهيوني لن تتوقف عند الجغرافيا الفلسطينية ، وهذا تأكد في وثيقة ام قيس ، ومقاتلة مستوطنات صهيونية على أرض فلسطين …
وتترجم النضال الأردني بنشوء الإمارة بالجد المؤسس الملك عبدالله الأول إبن رسالة الثورة العربية بأهدافها بعد سقوط مملكة سوريا العربية الفيصلية على يد قوات الاحتلال الفرنسي ، ولتبدأ مرحلة التأسيس بنشأة الدولة الوطنية الأردنية بفكرها القومي، بمشروع نحو الوحدة وبمواجهة مع مشروع الحركة الصهيونية ووعد بلفور المشؤوم ، بأن لا يكون الأردن كياناً سياسياً ومشروع دولة ، وتجاوزت الإمارة بحنكة الأمير المؤسس وتلاحم الشعب مرحلة التأسيس ، بنيل الإستقلال ووضع الدستور ، ولم تمضي سنتان لتقع الحرب العربية الإسرائيلية، وينقذ الأردن الضفة الغربية والقدس ويصنع وحدة حفظت جزء غال من فلسطين بواقع عربي ضعيف تحت هيمنة وإنتداب الأجنبي ، ويبدأ توجه المملكة نحو القضية الفلسطينية بتفاصيل مكابدتها التاريخية، وتفشل كل محاولات مشاريع وحدة سوريا الكبرى كهدف للفكرة الأردنية الهاشمية، ويعقب مشروع الوحدة الأردنية الفلسطينية إغتيال الملك المؤسس، إغتيال استهدف هذه الوحدة التاريخية …
واعقب تطورات حرب ٤٨ وقيام كيان إسرائيل، دخول المنطقة العربية مرحلة الانقلابات العسكرية التي قامت تحت رفع شعار تحرير فلسطين ، ولتعايش المنطقة مرحلة شعارات التخوين والتقدمية والرجعية ، ويغيب العقل والتنمية والديمقراطية ، وتنصب أعواد المشانق والزنازين ، وشعار لا صوت يعلو على صوت المعركة ، بغياب استراتيجية وخطط حقيقية للتحرير ، وتصبح القضية الفلسطينية شعار لبيان رقم واحد واستلام السلطة ، ويعايش الأردن مرحلة إنقلابات عسكرية ولعبة الكراسي ، ويتجه لوحدة مع مملكة العراق وقيام الاتحاد العربي ، والذي تم تصفيته بمجزرة الملكية الهاشمية في العراق ، وبداية لدخول العراق مرحلة الانقلابات ، وفي ظل هذه الإجواء ، إختار الأردن الإنخراط في خطط التنمية الداخلية وبكافة المجالات وحقق إنجازات وطنية في عهد الحسين الباني تجاوزت حجم الأردن بقدراته ومواردة الذاتيه ، وبعد أن فشلت خيارات حكومة ديقراطية وتعددية حزبية بعوامل إمتداداتها الخارجية، بأجواء سادت في تلك المرحلة ، وتأتي حرب ٦٧ بغياب خطة حقيقية للحرب وبأجواء من التهريج وخطابات الحناجر ، والأردن يدرك نتيجتها المحتومة بأنطمة اخذت العرب لحرب، لتكون نتيجتها الإحتلال الكامل لفلسطين بسقوط الضفة الغربية والقدس واحتلال سيناء المصرية والجولان السوري وجنوب لبنان ، وكانت نتيجه الهزيمة العربية ، الاخطر على الأردن بمحاولة الكيان الإسرائيلي المنتصر بالحرب ، أن يفرض وثيقة استسلام على الأردن بمعركة الكرامة عام ٦٨ ومحاولة الكيان الإسرائيلي التمدد بإحتلاله إلى الضفة الشرقية لمواقع استراتيجية تقترب من عمان العاصمة ، والتي آُفشلت بالانتصار الأردني التاريخي ، وتحقيق الجيش العربي الأردني نصره المؤزر على الجيش الإسرائيلي، ومحاولة الكيان الإسرائيلي فرض الاستسلام على القيادة الاردنية وتصفية القضية الفلسطينية ، ويعقب ذلك فتنة أيلول ١٩٧٠ ومؤامرتها، والتي كانت محاولة تستهدف الدولة الأردنية وتصفية القضية الفلسطينية بمشروع الدولة البديلة ، وتجاوزها الأردن والأردنيون واسقطوا هذا المشروع البديل، وأسقطوا محاولة إحتلال شمال الأردن بمؤامرة أيلول لخدمة المشروع البديل .
وتأتي حرب ١٩٧٣ ويشارك الأردن بقواته العسكرية على الجبهة السورية ويقدم التضحيات والشهداء لحماية دمشق العربية من السقوط.
وتعقب حرب ٧٣ بداية الحلول السلمية بعقد مصر اتفاقية كامب ديفيد عام ١٩٧٨ ، وعملياً تعلن نهاية الحسم العسكري مع إسرائيل، بخروج الشقيقة الكبرى من مواجهة الصراع العسكري والحسم العسكري مع الكيان الإسرائيلي.
وتشهد المنطقة تطورات واحداث بالحرب العراقية الإيرانية لسنوات، ويعقب هذه الحرب، تشكيل مجلس التعاون العربي وإعلانه من عمان بين مصر والعراق واليمن والأردن، بالتقاط لحظة تاريخية ، وبمرحلة تاريخية عالمية بمؤتمر مالطا، وتفكك الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية، وبداية تشكل نظام عالمي جديد بأحادية القطبية سعياً لحصة عربية في النظام العالمي الجديد ، ويتفاجأ بإحتلال القوات العراقية للكويت، ويتشكل تحالف دولي لإخراج القوات العراقية من الكويت بزعامة أحادية القطبية، ويرفض الأردن المشاركة بسعيه لإيجاد حل عربي عربي وبعيداً عن التدخل الأجنبي، مع تاكيده رفض إحتلال الكويت ، ويفرض الحصار على الأردن ومحاولة عزله، ويعقب ذلك دخول المنطقة مرحلة بأن السلام خيار استراتيجي بإجماع عربي، وإنعقاد مؤتمر مدريد ومحاولات إقصاء الأردن، وتأتي نتائج المؤتمر ، بعقد اتفاقية أوسلو بين الفلسطينين وإسرائيل، وتوقيع اتفاقية وادي عربه بين الأردن وإسرائيل ،،
وتدخل المنطقة مرحلة جديدة بإحتلال العراق ٢٠٠٣ ، وكان تحدي تاريخي بأحداثه وتطوراته داخل العراق الشقيق وعلى المنطقة، ويواجه الأردن بقيادة الملك عبدالله الثاني هذا التحدي ومخاطر تطوراته ، ويتجاوز الأردن بصلابة وحكمة وحنكة الملك بهذا الزلال الكبير على حدوده وكل تداعيات الأزمة العراقية وتطوراتها اللاحقة .
ويواجة الأردن موجة التطرف والإرهاب الذي بدأ يضرب في المنطقة بصلابة وحسم وحزم ، رغم كل اليافطات التي تغطى بها ، كرداء في تفتيت المجتمعات.
ولتبدأ المنطقة مرحلة الثورات وما يسمى بالربيع العربي ، وبداية الأحداث في الأزمة السورية بصراعات دمويه، وهي اشبه ما تكون بحروب الوكالة على حدود الأردن ، واستطاع الأردن بحكمة وحنكة الملك ووعي الشعب الأردني ويقظة الأجهزة الأمنية وجاهزية القوات المسلحة ، أن يتجاوز حريق الأزمة السورية على حدود المملكة ، وبتميز وفاعلية ونجاعة علاقات الملك الدولية التي نسجها مع القوى الدولية المؤثرة على الأرض السورية، واستطاع الأردن الحفاظ على الجنوب السوري كجزء من الكيان الوطني السوري والدولة السورية، وسجل الأردن موقفاً تاريخيا ً للاشقاء اللاجئين السوريين رغم ظروفة الاقتصادية الحرجة، وموقفا تاريخيا للملك وتمسكة بالحل السياسي للأزمة السورية بما يحفظ وحدة التراب الوطني السوري والسيادة السورية …
وفي ظل هذة الأوضاع العربية باحداثها ونوازلها الكبرى بأقطارها والصراعات الدامية بتداخلاتها الإقليمية والدولية، استطاع الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني الحكيمة والشجاعة، ان يتجاوز تحولات تاريخية غير مسبوقة على حدوده ، بما يحفظ أمن وسلامة الأردن ، وحماية الأردن من كافة عوامل الإمتداد وأشكاله المختلفة بيافطاته وشعاراته ،
وفي ظل هذة الأوضاع بالغة التعقيد والسوء ، استطاع الملك عبدالله الثاني، أن ينسج علاقات دولية متوازنه مع قوى التأثير العالمية على المنطقة بأحداثها وتطورات قضاياها الشائكة ، وساهمت هذه العلاقات المتوازنة للملك، بتحقيق استقرار الأردن وحمايته من امتدادات الصراع بأشكاله، ويفرض مكانة دولية وحضورا متميزا للأردن ، رغم اضطراب العلاقات الدولية بتنافس مصالحها في المنطقة ..
وفي جانب القضية الفلسطينية ، والتي تشكل المحور الأساس في تحركات الملك على المستوى الدولي ، بقي متمسكا بموقفة الثابت بضرورة حل الدولتين ، وأن القضية الفلسطينية هي أولوية القضايا على كافة ملفات المنطقة ، والموقف الثابت والتاريخي تجاه المقدسات الإسلامية والمسيحية بجهود ملكية دولية وعلى مختلف دوائر التأثير …
ويبدأ الملك بتحرك يتجه نحو عمل عربي مشترك بما يواجه تحديات قائمة ومفروضة بتطوراتها وتحولاتها ، بموقف عربي راهن بأوضاعة القائمة ، وموقف دولي وإقليمي بالغ التعقيد بتداخلات نفوذه ومصالحه في المنطقة ، وهي حالة تاريخية بمعطياتها ، وابعد من تكون معطيات سياسية عايشتها المنطقة منذ عقود مضت ، فالمنطقة تشهد أوضاع إقليم يتجاوز الحالة العربية ، بما يهئ لنظام إقليمي بعلاقاته الدوليه ، وهي حالة متشابكة ومعقدة بملفاتها وتداخلاتها ، التي قد يتبلور عنها نظام أمن إقليمي جديد بتوازن المصالح بين قوى إقليمية ودولية ، ومسعى الملك بجهد دؤوب لجهد عربي مشترك، وبما يفرض حضورا بتوازن مع كافة قوى المصالح إقليمية ودولية . وهذا الجهد التاريخي، لنواة تشكيل تكتل إقتصادي مصري عراقي اردني وربط دول الأشقاء بالمشاريع المشتركة وخدمة لمصالح شعوبها ووفق أسس تحاكي العصر، ليفرض حالة من التوازن أيضا في منطقة مزقتها الصراعات وعلى حساب التنمية والحياة الكريمة لشعوبها .
الملك عبدالله الثاني، رهان أردني وعربي بما له من علاقات الأخوه مع اشقائه من القادة العرب، وهو الزعيم العربي الذي يحترم مكونات الأمة والأوطان بطوائفها واعراقها، ويؤمن جلالته بأنها مكونات أصيلة وتاريخية في نسيج الأمة ووجودها التاريخي على أرضها ، وبما يملك جلالته من حضور دولي متوازن في علاقاته مع المجتمع الدولي وروية جلالته الإنسانية العالمية في القضايا الكونية المعاصره ، وبما ينعكس على خدمة القضايا العربية وشعوبها .
وعلى مستوى الشأن الداخلي الأردني ، وبهذا المرور على محطات تاريخية ، ما هو إلا تأكيد على الوعي والعقل، ولسنا مع هذا التهويش ولا مع ذلك التشويش، وأن مسيرة الإصلاح المطلوب بكافة جوانب الإصلاح ، لنحذر من محاولات اغتيال الدولة ومؤسساتها بهذا التشويش ، أو محاولات التشكيك والتهويش الذي لا يرتقي لمستوى مرحلة تاريخية بنوازلها، وكثير من معطياتها، وهي محاولات غير واعية لتطورات ما يجري في المنطقة والعالم ، ولا تدرك تجربة الأردن التاريخية بالحفاظ على كيانه الوطني ونظامه السياسي، وفي تفاصيل مشهد قائم بتحولاته التاريخية الغير مسبوقه .
نعم لإجتثاث الفساد ولكن الأردن ليس بالدولة الفاسدة …ونعم لتطوير أداء المؤسسات وفاعليتها في خدمة المواطنيين، ولكن الأردن ليس بالدولة الفاشلة … وفي هذه المرحلة التاريخية نحو إعادة صياغة المنطقة، لم يجدو في الأردن أدوات الصراع التي عصفت بدول أشقاء على طائفة وعرق ومذهب ، ولتكون محاولات استهداف الأردن بكيانه الوطني ونظامه السياسي بإستهداف الدولة الاردنية، وهو استهداف تاريخي للدولة، وقدّم الأردنيون وقيادتهم الهاشمية التضحيات بالدم والكفاح والعرق والدموع دفاعا عن دولتهم برسالتها الممتدة للأجيال الاردنية ولأمتها العربية
نعم لمواجهة التحدي الداخلي، الاقتصادي بأزماته المتراكمة، وتحدي البطالة والفقر ، وواقع الخدمات بنوعيتها وعدالتها لكافة المواطنيين، وهذا يفرض على الجميع مواصلة مسيرة الإصلاح في ظل الدولة ومؤسساتها الدستورية وعبر الحوار المسؤول وواجب الحكومة والسلطات الدستورية فتح أبواب الحوار ، فالدولة الاردنية قامت على الفكر الإصلاحي ونهج الحوار الوطني المسؤول .
المملكة الأردنية الهاشمية، اجتازت كافة المراحل التاريخية، ولها تجربتها التاريخية بحكمة وصلابة قيادتها الهاشمية ، والتماسك بجبهتها الداخلية بشعبها الأردني النبيل، وبالالتفاف حول قيادتها الهاشمية المظفرة ومؤسساتها الوطنية، وكيف تحمي الدولة من الإهتزاز أو الإضعاف وكل محاولات الإستهداف
وعلينا فصل المسارات ، فمسار الإصلاح ، شأن وطني داخلي ومطلب للأردنيين على مختلف توجهاتهم ومطالب الفئات الحقوقية المشروعة ، ولكن الجميع يتحمل مسؤولية في مرحلة تاريخية تمر بها المنطقة بكل انعاكساتها على الأردن ، بالتلاحم الوطني في خندق الدولة والقيادة بلوغاً لشاطئ الأمان ولتحقيق الإصلاح المنشود لكرامة مواطن ونهضة وطن ؟

الحزب الوطني الدستوري