الزخم يتأرجح نحو نتنياهو في انتخابات “متقاربة”

25 مارس 2021
الزخم يتأرجح نحو نتنياهو في انتخابات “متقاربة”

من الصعب تصوّر نتائج الانتخابات الإسرائيلية، التي قد تسمح بتشكيل حكومة مناهضة لنتنياهو. إلّا أن أي تحالف من هذا القبيل سيعتمد على درجة من عدم التجانس السياسي الذي من شأنه أن يجعله هشاً. وإذا انتهت عملية التصويت كمقدمة لإجراء جولة جديدة من الانتخابات، فإن حالة الجمود الطويلة الأمد يجب أن تثير أسئلة أكبر حول هيكل النظام السياسي في إسرائيل.

وطنا اليوم –  نشر معهد واشنطن للسياسات تحليلا حول الانتخابات الإسرائيلية وفرص نجاح نتنياهو جاء فيه :

في 23 آذار/مارس، جرت  الانتخابات الإسرائيلية الأكثر تعقيداً من سابقاتها. فبدلاً من حزبين كبيرين، تشارك حالياً عدة أحزاب متوسطة الحجم مُجْمعة في كتل مؤيدة لنتنياهو وأخرى معارضة له، الأمر الذي قد يعقّد المفاوضات التي ستُجرى بعد الانتخابات ويمددها إلى حين تشكيل ائتلاف – أو قد يؤدي إلى انهيارها تماماً.

في الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية، شن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حملة سياسية كبيرة في جميع أنحاء البلاد في محاولة لزيادة عدد مقاعد ائتلافه المحتمل في الكنيست الإسرائيلي المكوّن من 120 مقعداً، من العدد الأكبر من المقاعد التي حصل عليها سابقاً (58) إلى 61 مقعداً المطلوبة لحصوله على أغلبية ضئيلة في البرلمان. وأشارت أحدث استطلاعات الرأي إلى زيادة الدعم له، على الأقل جزئياً لأنه فتح البلاد من الإغلاق الذي سببته جائحة “كوفيد-19” وترأس الجهود لجلب لقاحات سريعة وواسعة النطاق إلى البلاد. وإذا ثبت أن هذه المكاسب كافية لمنحه 61 مقعداً، فسيسعى حلفاؤه من دون شك إلى إقرار تشريع يمنحه حصانة من قضايا الفساد الثلاث التي تأخذ مجراها ضده في المحاكم.

ومع ذلك، لا يزال من الصعب تصوّر نتائج الانتخابات، التي قد تسمح بتشكيل حكومة مناهضة لنتنياهو تتألف من أحزاب يمينية ووسطية ويسارية. إلّا أن أي تحالف من هذا القبيل سيعتمد على درجة من عدم التجانس السياسي الذي من شأنه أن يجعله هشاً.

والسيناريو الثالث هو عدم قدرة أي من الطرفين على تشكيل حكومة. وبالنظر إلى القضايا الجارية ضد نتنياهو في المحاكم وسيطرته القوية على قاعدته السياسية، فستؤدي نتيجة التصويت على الأرجح إلى إجراء جولة خامسة من الانتخابات.

الثمن الذي تكلفه الانتخابات التي لا نهاية لها

ينبع جزء من النجاح السياسي لنتنياهو من قدرته على الاستفادة من سياسات الهوية. على سبيل المثال، حدد مظالم اليهود الشرقيين وأقنع الكثيرين منهم بأن وسائل الإعلام والسلطة القضائية التي تترأسها “النخبة” عازمة على تجاهل تقاليدهم الدينية.

ومع ذلك، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل هناك ثمن للضغوط التي تمارس من أجل تفعيل هذه الاستراتيجية المثيرة للانقسام إلى أجل غير مسمى وإجراء جولة بعد آخرى من الانتخابات غير الحاسمة؟ لقد تدهور الخطاب السياسي الإسرائيلي الحالي بحيث أحدث انقسامات على أساس الانتماءات المؤيدة لنتنياهو والأخرى المعارضة له، مع القليل من التركيز على المسائل السياسية الجوهرية. كما لا يوجد خطاب عام حول ضرورة إجراء إصلاح انتخابي لمنع تكرار هذه الحلقة الوخيمة من الدورات الانتخابية. بالإضافة إلى ذلك، لم تقر الدولة ميزانية للبلاد منذ عام 2018، مما يعقّد قدرتها على التعامل مع حالات الطوارئ الحالية والمستقبلية.

ما لا يٌعرف في يوم الانتخابات

هذه هي الانتخابات الإسرائيلية الأولى التي تُجرى خلال فنرة الوباء، لذا فهناك علامة استفهام حول الإقبال على صناديق الإقتراع على الرغم من معدل التطعيم المرتفع ضد الجائحة في البلاد (بلغت نسبة المشاركة في الجولة الأخيرة من الانتخابات 71٪). ولا يوجد في إسرائيل تصويت مبكر أو عن طريق البريد للمواطنين العاديين، وظل عدد الناخبين المترددين مرتفعاً في استفتاء الرأي الأخير.

وهناك مجهول آخر هو مصير الأحزاب الصغيرة التي تتأرجح على حافة العتبة الانتخابية المطلوبة لدخول البرلمان، وهي 3.25٪ من الأصوات، أو ما يساوي أربعة مقاعد. وتتواجد ثلاثة أحزاب من يسار الوسط – هي “حزب العمل” و “ميريتس” و “أزرق أبيض” في هذه الفئة، بالإضافة إلى حزب آخر من اليمين، هو “الصهاينة المتدينون”. وإذا فشل أي من هذه الأحزاب في تجاوز العتبة الانتخابية، فـ “ستتم خسارة” الأصوات التي حصلوا عليها عند تشكيل الائتلاف – وهو عامل حاسم محتمل في مثل هذه الانتخابات “المتقاربة”.

سبب تفضيل الزخم لنتنياهو

في استفتاءات الرأي العام لا يوجد منافس من أي حزب يحصل على قدر كافي من الأصوات بقدر ما يحصل عليه حزب “الليكود” بزعامة نتنياهو، كما أن كتلته الأوسع هي أكثر تماسكاً من غيرها، ويرجع ذلك جزئياً إلى تأكيده على تشكيل “حكومة يمينية بصورة كلّية”. ووفقاً لاستطلاع الرأي الأخير الذي أجرته “القناة 12″، أكبر شبكة إعلام إسرائيلية، من المتوقع أن يفوز “الليكود” بـ 32 مقعداً. أما شريكاه من الأحزاب الصغيرة المخلصان بشدة له، أي حزب “شاس” الأرثودوكسي لليهود الشرقيين، والحزب المتشدد “يهدوت هتوراة المتحد”، فقد حصلا في استفتاءات الرأي العام على 8 و 7 مقاعد على التوالي. كما قام نتنياهو بتجميع الفصائل من اليمين المتشدد، وتعمّد تسمية حزب جديد باسم يحظى بقبول واسع بين غير المتطرفين: “الصهاينة المتدينون” (الذي حصل على 4 مقاعد في استفتاءات الرأي).

أما بالنسبة لحزب “يمينا” (9 مقاعد)، فقد كان زعيمه نفتالي بينيت يُعتبر في الأصل على أنه منافس مغرور أصغر سناً يمكن أن يكون شوكة في جانب نتنياهو، لكن يبدو من المحتمل أن ينضم الآن إلى الائتلاف القادم لرئيس الوزراء. وفي الوقت الذي تنفتح فيه البلاد مرة أخرى [في أعقاب التطعيم الجاري ضد جائحة كورونا]، إلّا أن بينيت تضرر من انتقاداته لكيفية تعامل الحكومة مع الأعمال المتعثرة خلال فترة الوباء، ولم يحصل على الكثير من التأييد في الأيام الأخيرة قبل بدء الانتخابات. بالإضافة إلى ذلك، لا يَخفي رغبته في تولي زعامة اليمين في المستقبل، لذلك استغل نتنياهو طموحه هذا خلال حملة الانتخابات، وضغط على بينيت ليصرّح علناً بأنه لن ينضم إلى حكومة بديلة بقيادة المنافس يائير لبيد (لابيد)، المناهض الرئيسي لنتنياهو. وحتى أن بينيت وصف لبيد بأنه جزء من “اليسار”، على الرغم من أن الجمهور ينظر إليه على أنه من الوسط ويدعم الحل التدريجي للقضية الفلسطينية.

وبالإضافة إلى لبيد (الذي حصل على 18 مقعداً في استفتاءات الرأي العام)، يضم الجانب المعارض أحزاباً من مختلف ألوان الطيف السياسي، من انفصالي حزب “الليكود” اليميني جدعون ساعر (9 مقاعد) وأفيغدور ليبرمان (7)، إلى “أزرق أبيض” الوسطي بقيادة بيني غانتس (4 مقاعد)، وإلى أربعة أحزاب في اليسار: “القائمة المشتركة” (8)، و “حزب العمل” (6)، و “ميريتس” (4)، والحزب العربي المنشق بقيادة منصور عباس (4). ووفقاً لبعض استطلاعات الرأي الرئيسية، بإمكان عباس الحفاظ على ميزان القوى بين الكتلتين، وهي المرة الأولى في تاريخ إسرائيل إذا ما حدث ذلك فعلاً. ومع هذا، وكما ذكرنا سابقاً، فإن العديد من هذه الأحزاب هي على وشك عدم التمكن من الوصول إلى العتبة الانتخابية، وتعهد بعضها بعدم المشاركة سوية [في ائتلاف واحد] – على سبيل المثال، يقول ساعر وليبرمان إنهما لن ينضما إلى تحالف مع الأحزاب العربية، حيث يعتقدان أنها تؤيد العنف الفلسطيني.

وفي النهاية، يمكن لأي حزب أن ينقض مثل هذه الوعود وينضم إلى ائتلاف مع الفصائل التي سبق أن تعهد بعدم المشاركة معها [في أي إئتلاف]. ومع ذلك، تشير الجولة السابقة من الانتخابات إلى أن هذا القرار قد يأتي بسعر باهظ. فقد قاد بيني غانتس القوى المناهضة لنتنياهو ثلاث مرات متتالية وازداد التأييد له بشكل مطرد في استطلاعات الرأي العام، لكنه انضم بعد ذلك إلى حكومة تقاسم السلطة مع نتنياهو في العام الماضي، حيث أشار إلى حالة الطوارئ الوبائية في البلاد. واعتبر العديد من أتباعه بأن تلك الخطوة كانت بمثابة خيانة [للوعد الذي قطعه على نفسه]، وانخفض التأييد لحزبه “أزرق أبيض” من 33 مقعداً كان قد فاز بها قبل عام واحد فقط إلى احتمال عدم وصوله إلى العتبة الانتخابية.

ومن المؤكد أن نتنياهو مقتنع بأن الحزبين الأكثر قدرة على قيادة ائتلاف التغيير ضده يتنافسان بنصف قوتهما السابقة. فقد بدأ بينيت وساعر حملة الانتخابات بـ 21 مقعداً لكل منهما، لكنهما قد لا يحصلا حتى على عشرة مقاعد. ويرجع هذا الانخفاض في جزء كبير منه إلى النهج الحثيث لنتنياهو لإقناع ناخبي المعارضة بالبحث عن أحزاب أخرى. وعندما بدأت وسائل الإعلام في تصوير بينيت على أنه صانع ملوك محتمل، دعا نتنياهو علناً الناخبين المتدينين إلى اختيار حزب ثالث، هو “الصهيونية الدينية”. ومع ذلك، من الملاحظ أن أحد أعضاء هذا الفصيل، إيتمار بين غفير، عنصري تجاه العرب، وهي حقيقة يمكن أن تخلق مشاكل لنتنياهو إذا انتهى الأمر بحصول هذا المرشح المكروه [جماهيرياً] على الصوت الحاسم في أي سيناريوهات تشكيل ائتلاف أو قرارات لاحقة.

كما اعتمد نتنياهو على نهجه المعتاد في تصوير منافسه الرئيسي بأنه يشكل خطراً على أمن إسرائيل. وخلال الجولة الانتخابية، ساعد في تصوير لبيد على أنه منافسه الأول من أجل تخويف الناخبين اليمينيين بعيداً عن ساعر وبينيت، ولعب على مخاوف مشاركة كلا المرشحيْن في ائتلاف [واحد] مع لبيد.

السياسة الخارجية والحملة الانتخابية

خلال الحملة الانتخابية، كانت السياسة الخارجية غائبة إلى حد كبير كقضية [مهمة في الانتخابات]، ومع ذلك، ربما أدّت الأسابيع القليلة الماضية من الدعاية الانتخابية إلى الإضرار بعلاقات إسرائيل مع دولة الإمارات. فقد تطلّع نتنياهو إلى التقاط صورة فوتوغرافية مع ولي عهد الإمارات محمد بن زايد، لكن تم تأجيل بعض الزيارات المقترحة وسط احتكاك دبلوماسي واضح.

في البداية، اقترحت الإمارات عقد قمة في أبو ظبي في نيسان/أبريل مع قادة من إسرائيل والدول العربية الأخرى التي قامت بتطبيع العلاقات مع القدس، ومع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين. وعوضاً عن ذلك، أصر نتنياهو على زيارة الإمارات قبل موعد الانتخابات – وهي الفكرة التي تم إحباطها عندما دفعت التوترات المتزايدة مع الأردن إلى قيام عَمّان بحرمان نتنياهو من حقوق التحليق فوق الأردن. بالإضافة إلى ذلك، أصدر مكتبه قبل الأوان بياناً في 11 آذار/مارس قال فيه أن الإمارات ستستثمر 10 مليارات دولار في مشاريع ثنائية، مما دفع أبو ظبي إلى الإحاطة علماً بأنه لم يتم الاتفاق سوى على المناقشات الأولية. ثم ألغى الإماراتيون رسمياً الزيارة التي خطط نتنياهو القيام بها خلال أسبوع الرابع عشر من آذار/مارس، ولا يزال وضع القمة المقترحة المتعددة الأطراف غير مؤكداً. ومن غير الواضح ما إذا كانت هذه التوترات ستتلاشى بعد الانتخابات.

الخاتمة

في إسرائيل، عادة ما يكون يوم الانتخابات مجرد محطة أولى على طريق المساومة الائتلافية الصعبة التي تحدد الحكومة المقبلة. ومع ذلك، من المرجح أن تكون حالة عدم اليقين أكثر وضوحاً هذا الأسبوع نظراً للعدد الأكبر من المتغيرات السياسية واحتمال استمرار حالة الجمود. وإذا انتهت عملية التصويت هذه كمجرد مقدمة موجزة لجولة خامسة من الانتخابات، فإن حالة الجمود الطويلة الأمد يجب أن تثير أسئلة أكبر حول هيكل النظام السياسي في إسرائيل.

ديفيد ماكوفسكي هو زميل “زيغلر” المميز في معهد واشنطن، ومبتكر البودكاست “نقاط القرار”، ومؤلف الورقة الانتقالية الرئاسية التي صدرت مؤخراً بعنوان “بناء الجسور من أجل السلام: سياسة الولايات المتحدة تجاه الدول العربية والفلسطينيين وإسرائيل”.

ديفيد ماكوفسكي

ديفيد ماكوفسكي هو زميل زيغلر المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن