وطنا اليوم:رغم صافرات الإنذر التي تدوي عند الساعة السادسة مساء في كل أنحاء المملكة، إلا أن متعة الأطفال واليافعين أصبحت في الخروج إلى الأزقة والشوارع الرئيسة بالتزامن مع إطلاق الصافرات في الكثير من مناطق المملكة، معتقدين بذلك أنهم يخالفون التعليمات، ولا تطالهم المسؤولية.
رغم أن معظم الأطفال يحفظون عن ظهر قلب نص أوامر الدفاع الذي يعلن عن بدء ساعات الحظر ويرددونه بشكل يومي، إلا أن حفظ الكلمات ليس كتطبيقها، وقد بدا ذلك واضحا في خرق الكثير من الأطفال لحظر الجمعة الشامل، وسط تباه ومتعة كبيرين غلبت على تصرفاتهم طوال ساعات النهار.
تباهي العديد من الأطفال بكسر الحظر الشامل والخروج إلى الشوارع وفي أطراف الأحياء “بحجة اللعب” أمر في غاية الخطورة وفق خبراء تربويين أكدوا أن ما يقوم به الأطفال واليافعين من خرق لساعات الحظر الجزئي والشامل يشكل خطرا صحيا وتربويا في الوقت نفسه.
العديد من السلوكات الغريبة رصدت في الشوارع وعبر مواقع التواصل الاجتماعي لأطفال يتعمدون الوقوف أمام دوريات الشرطة التي تتوزع في الشوراع خلال الحظر الشامل والتلويح لهم، وكأنهم يريدون تأكيدهم لخرق الحظر، وأن ما يقومون به هو مخالفة علنية.
في حين تنطلق “شلل” من اليافعين بين الشوارع مخرجة أصواتا غريبة، محاولين لفت انتباه الجميع لمخالفتهم أوامر الدفاع، معتقدين أنهم بهذه التصرفات يخرجون عن القانون.
خبراء بدورهم أكدوا أن خروج أولياء الأمور عن القانون وكسرهم للحظر وخرق أوامر الدفاع أمام أبنائهم هو السبب الرئيس الذي يشجع الأطفال على القيام بهذه التصرفات غير المسؤولة، مشيرين إلى خطورة هذه السلوكات على شخصية الأطفال ليس في الوقت الحالي فقط، وإنما في المستقبل أيضا، إضافة الى رؤيتهم للالتزام بالقوانين.
التربوية الدكتورة سعاد غيث تقول، الأطفال واليافعون الذين لا يلتزمون بأوامر الدفاع باختراق الحظر إنما هم على الأغلب ينمذجون سلوكات أولياء أمورهم، وهو سلوك على الأغلب ذكوري يخرج عن أطفال ويافعين ذكور مقلدين بذلك آباءهم وأشقاءهم الأكبر منهم، والأصدقاء الذين يقومون بخرق الحظر وكذلك يتأثرون بسلوكات الأعمام والأخوال إن كانوا أيضا يخرقون الحظر أو يخالفون أي من أوامر الدفاع.
وتضيف، هو تقليد ونمذجة قد يكون مجرد تقليد يقدم عليه الأطفال واليافعون دون وعي أو فهم وغير مقصود في الوقت ذاته، وعبارة عن تكرار لسلوك يشاهدونه من باب التجربة ومحبتهم لمعرفة نتائج ذلك بشكل شخصي، من دون الاكتفاء بأن يسمعوا عن تجارب الآخرين الذين تم إلقاء القبض عليهم أو تغريمهم بسبب خرقهم للحظر.
وتبين “يرغبون أن يجربون بأنفسهم النتائج التي ستترتب عليهم نتيجة اختراقهم للتعليمات”، عازية ذلك إلى انخفاض الوعي والقدرات العقلية وبعد الأفق والتفكير بمخاطر هذه التصرفات بشكل عميق.
وتوضح، ولعل من أهم الدوافع لرغبة الأطفال واليافعين لخرق الحظر وكسر أوامر الدفاع، التأثر بالأصدقاء وارنسياق وراءهم، فهم في هذه الأعمار تحديدا لهم قيمة ومكانة، وبالتالي يسمعون من بعض وغالبا لا يخترقون هذه الأوامر وحدهم، وإنما يكونون على شكل شلل وتجمعات تؤازر بعضها بعضا.
إلى ذلك، تلفت غيث إلى التركيز على التربية الوطنية التي يجب على المناهج تعزيزها وكيف يسلك الطالب بصفته مواطنا مسؤولا يعرف حقوقه وواجبته ويشعر بالانتماء ويسلك سلوكا متعارف عليه ومتفق عليه من قبل السلطات التي فيها احترام القوانين والتعليمات.
هذه السلوكات تكشف ضعف التأثير والخلل في التربية التي يتلقونها الطلاب، فربما أنها أعطيت كمنهاج وامتحانات، ولكنهم لا يمتثلون لهاا في سلوكهم وتصرفاتهم وحياتهم اليومية، وهنا تبدأ جهود الأسرة والتربويين في إعطاء المزيد من الوعي عن التربية الوطنية والانتماء الوطني.
وللمرشدين التربويين والمعلمين دور كبير في رفع وعي الأطفال واليافعين وفق غيث، وتوجيههم بأن الالتزام بأوامر الدفاع والقانون هو نوع من أنواع الانتماء والتعبير عن الوطنية والمواطنة وحب الوطن، هناك حكمة من وراء هذ التعليمات التي يتم تقديمها للمواطنين للالتزام بها.
ويطالب غيث بنشر “ثقافة أن الالتزام بالقوانين والتعليمات ليس ضعفلا وخنوعا وإنما هو وعي وانتماء لدى المواطن الصالح”.
ويوافقها الرأي التربوي الدكتور عايش النوايسة مؤكدا أن خرق الأطفال واليافعين للحظر الشامل وعدم الالتزام بأوامر الدفاع بات ظاهرة واضحة، خصوصا في الحظر الأخير الذي فرضته الحكومة، وذلك من قبل أولياء أمور وأطفال ويافعين أيضا، متجاهلين الالتزام بأوامر الدفاع وتعليمات الحظر.
والطفل بحسب النوايسة، يكتسب السلوك من الوالدين بالتربية، وبالتالي عند رؤية والده ووليه أمره يكسر الحظر أو أحد أفراد عائلته فإنه سيقوم بتكرار هذا الفعل، وهنا الإشكالية في التقليد ليس في التقليد الآني ولكن بالتقليد المستقبلي.
ويتابع، يتحول تقليد الأطفال لأولياء أمورهم من عادة إلى سلوك في المستقبل بعدم احترام النظام والقانون، وعليه يتحول بذلك من إنسان منظم إلى إنسان يميل إلى الفوضى.
ومن جهة أخرى يلفت النوايسة إلى ضرورة أن يعكس ولي الأمر سلوك القدوة للأبناء، بالالتزام، وهو نوع من أنواع الانضباط في كل مناحي الحياة سواء كان إيجابيا أو نظرة ولي الأمر السلبية له.
التزام أولياء الأمور وفق النوايسة، يعلم الأطفال ثقافة الالتزام في كل مجالات الحياة، لأن القدوة هي التي تعكس السلوك الإيجابي، وغير ذلك فإن من الطبيعي أن ينشأ الطفل على التعامل مع الحياة بشكل من الفوضى وكسر القوانين ومخالفة التعليمات.
ويشير النوايسة، إلى أنه مع الأسف هناك العديد من السلوكات السلبية لأولياء الأمور التي أثرت في الأطفال، حيث غرست العديد من العائلات نظرية أن فيروس كورونا مؤامرة، وأنها ليست مرضا حتى وصل الأردن إلى هذه المرحلة الوبائية نتيجة ثقافة الإهمال والارتباط بمفاهيم خاطئة تتعلق بعدم الثقة بكل ما يقال عن هذا المرض، وعليه وصلنا إلى هذه المرحلة الصعبة فالتزام الطفل منذ الصغر يكشف شخصيته المستقبلية.