الفقر.. حين يصبح رغيف الخبز مؤشرا على العوز

5 مارس 2021
الفقر.. حين يصبح رغيف الخبز مؤشرا على العوز

وطنا اليوم:عبر 14 عامًا، يقدم عوض أبوعيشة خبزا مجانيا طيلة أيام الأسبوع، لعائلات محتاجة بطريقتين يومية وأسبوعية، بيد أنه لم يكن الوحيد في منطقة الغويرية بمحافظة الزرقاء، فهناك مخابز وأهل سعة عدة يقدمون ذلك، تعزيزا للتكافل الاجتماعي، ولتخفيف معاناة من لا يستطيع الحصول على هذه المادة الأساسية.
وعلى مدار شهر كامل، رصدت وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، تعامل مخابز عدة في منطقة الغويرية بمحافظة الزرقاء، مع عائلات محتاجة لرغيف الخبز مجانًا، بسبب دخلها المالي الصعب، ورافقت أشخاصا يحصلون عليه؛ لمعرفة ظروفهم الفعلية التي تضطرهم للحصول على الخبز مجانًا.
عمر أبو زيد، يحصل على الخبز مجانًا في بعض الأيام، مكثت معه (بترا) يوما كاملا، يعيش في بيت مستأجر بـ120 دينارا شهريا، متزوج ولديه خمسة أطفال أحدهم مريض ويحتاج لعناية طبية، ويعمل في اليوم نحو 17 ساعة للحصول على يومية قيمتها 15 دينارا، لا تفي بكثير من متطلبات أطفاله وأسرته خاصة الغذائية.
يقول أبو زيد، إن أجرة المنزل لم يدفعها منذ شهرين، وتم فصل خدمة المياه عن منزله قبل أشهر ويشتري الماء بـ”التنكات”، فيما تراكمت فواتير الكهرباء، ويشتري وقود التدفئة لصوبة “الفوجيكا” بدينار ونصف الى دينارين يوميًا، ويحتاج لطفلته علبة حليب كل فترة تبلغ قيمتها نحو 5 دنانير، وعند البحث في الأهم لا يجد مالاً لرغيف الخبز معه في نهاية اليوم.
بعد أن أنهى أبو زيد عمله الأول في المخبز غادر عند الساعة الثالثة إلى حسبة الغويرية ورافقته (بترا)، وهناك بدأ أعمال الـ”عتالة” وتنظيف المحلات التجارية، ليحصل عند الساعة التاسعة مساء على نحو 5 دنانير تضاف إلى أجرة عمله اليومية في المخبز والبالغة 10 دنانير.
يعود إلى منزله المتواضع الذي تبين لـ”بترا” أنه يفتقد كثيرًا من سبل الراحة التي يحتاجها خمسة أطفال وزوج وزوجته، اشترى نصف ما يحتاجه منزله، وأمن الحليب لطفلته، ووقود التدفئة، ويحاول أن يجد طريقة لتخفيف فاتورة الماء والكهرباء وأجرة السكن المهدد بالرحيل منه كل نهاية شهر.
يقول أبو زيد، إنه لا عذر له إذا مرض أو يرتاح قليلا في المنزل، فهذا يعني أنه لا دخل له في ذلك اليوم لتلبية مطالب الأطفال والزوجة والأسرة، عدا عن الديون المتراكمة التي لا تنتهي وتحرمه من الشعور بالراحة ولو للحظة، مشيرا الى أنه تراكم عليه بسبب زواجه أكثر من 4 آلاف دينار وهو مطلوب بسبب ذلك للتنفيذ القضائي، ولا يعلم كيف سيكون مصير أسرته إذا تم تنفيذ الحبس عليه. في شارع عثمان بن عفان بمنطقة الغويرية في محافظة الزرقاء، يعد مخبز عوض أبو عيشة، ملاذًا لكثير من الأسر للحصول على بضع أرغفة من الخبز مجانًا وبشكل يومي، إضافة إلى يوم الخميس من كل أسبوع منذ العام 2007 وحتى اليوم.
يقول أبوعيشة إنه يقوم بمنح خبز مجانا يوميا بخمسة دنانير ويوم الخميس بـ15 دينارا لعائلات أصبحت معروفة لديه بحاجتها الماسة لرغيف الخبز، ويساعده كثير من أهل الخير الذين يتبرعون بمال يتم توزيعه خبزا على هذه العائلات.
ويضيف، أنه يعطي خبزا بقيمة تصل إلى 160 دينارا شهريا لنحو 80 عائلة كل أسرة وبمعدل ما قيمته نصف دينار لكل أسرة، لا يتحملها وحده بل هناك كثير من أهل الخير الذين يمدونه بقيمة هذا الخبز، والذي يبلغ ثمن الكليوغرام الواحد منه 35 قرشا.
ويلفت إلى أنه مستمر على هذا الحال منذ 14 عاما، وبمعدل سنوي يبلغ نحو ألفي دينار خبزا مجانيا، بإجمالي نحو 27 ألف دينار على مدى 14 عاما كاملة، مشيرا الى أهل الخير الساعين إلى التكافل الاجتماعي في هذه المسألة، وتيسير الحصول على هذه المادة الأساسية للناس.
بعد أيام من رصد المشهد في مخبز أبوعيشة، التقت “بترا” بأم علاء، والتي تأتي كل خميس وقد قاربت الستين من العمر تسير خطوات قليلة ثم تجلس لتستريح بسبب وضعها الصحي وتقدم العمر، مشيرة الى أن الدخل لا يكفي، وتقاعد زوجها المتوفى لم يعد يغطي كل تكاليف البيت المستأجر والماء والكهرباء.
وأضافت أم علاء، أنها تلجأ للحصول على الخبز مجانًا، وتقبل كل ما يمنحه لها أهل الخير من خضراوات ومتطلبات غذائية يومية للمنزل الذي تعيش به هي وابنتها التي تعمل لكن بشكل متقطع.
مخبزان آخران يقدمان الخبز يوميا وبشكل مجاني لأسر ضاقت عليها ظروف الحياة؛ الأول في حي رمزي بالزرقاء والذي أكد أنه يعطي بشكل يومي بقيمة خمسة دنانير وفي بعض الأيام بخمسة عشر دينارا، أما الثاني فهو في منطقة الغويرية، يقول صاحبه إن كثيرا من العائلات تأتي بكوبونات من لجان المساجد أو جمعيات أو جهات داعمة ويصرفون لهم الخبز بالمجان، إضافة إلى ما يمنحونه هم من تلقاء أنفسهم.
وتشير أرقام دائرة الإحصاءات العامة إلى أن النتائج الرئيسية لمؤشرات الفقر في الأردن للعام 2017-2018، والتي استندت إلى مسح نفقات ودخل الأسرة، بينت أن نسبة الفقر بين الأردنيين بلغت 15.7 بالمائة؛ أي أن مليونا و69 ألف أردني فقراء.
ولفتت إلى أن نسبة فقر الجوع في الأردن بلغت 0.12 بالمائة؛ أي ما يعادل 7 آلاف و993 فردا، ووصلت فجوة الفقر إلى 3.5 بالمائة، وسجلت نسبة شدة الفقر 1.2 بالمائة.
وأوقفت الحكومة برنامج صرف دعم الخبز الذي بدأ في العام 2018، اعتبارا من نهاية العام الماضي، بعدأن وصل إلى نحو مليون أسرة، بعدد أفراد بلغ نحو 4 ملايين ونصف مليون حسب أرقام رسمية.
وقررت الحكومة تطوير نظام الاستهداف للدعم مكون من 57 مؤشرا، وكل مؤشر له حدود يجب أن تتجاوزها الأسرة كي تستحق الدعم، على ألا يتجاوز دخل الأسرة ألف دينار، وطرأ تعديل وتحسين على معايير أخرى متعلقة بالبرنامج للوصول لأكثر الأسر استحقاقا لدعم الخبز.
وبلغ دعم الخبز نحو 120 مليون دينار تم رصدها في الموازنة العامة للعام 2020، ويشمل الطبقة الفقيرة والهشة وذوي الدخل المحدود.
ويقدم صندوق المعونة الوطنية الذي تأسس قبل 35 عاما، برامج عدة تستهدف الأسر المحتاجة وتمكينها وإدماجها في المجتمع، من بينها، برنامج معونات شهرية وطارئة وتأهيل جسماني ومعونات الشتاء.
وأطلق الصندوق برنامج الدعم التكميلي والذي يعمل على تعزيز شبكة الحماية الاجتماعية والرعاية الموجهة للأسر الفقيرة والمحتاجة في المملكة، من خلال تطوير برامج وآليات استهداف اجتماعي شاملة وأكثر فعالية لتحديد الفقراء الأكثر احتياجا وتحديد الخدمات الخاصة بهم.
الصندوق يسعى إلى تخفيض نسبة الفقر على مستوى المملكة بـ2.6 درجة تقريبا خلال ثلاثة أعوام، وتخفيض شدة الفقر بنسبة 35 بالمائة تقريبا، وتم رصد المخصصات اللازمة لبرنامج الدعم التكميلي في مشروع موازنة الصندوق للأعوام 2019-2021، بمبلغ وصل الى 175 مليون دينار موزعة على ثلاثة أعوام، بلغت 30 مليون دينار خلال العام 2019، و45 مليون دينار خلال العام 2020، و100 مليون دينار خلال العام 2021.
خلال العام 2019، استهدفت الحكومة 76 ألفا و368 أسرة تضم 157 ألفا و969 فردا، بمعونات شهرية متكررة تراوحت قيمتها بين 50 و200 دينار، وبكلفة مالية شهرية قاربت 7 ملايين دينار؛ حيث ثبت بالدراسة الدقيقة لأحوال هذه الأسر أنها تمر بظروف صعبة لها صفة الديمومة والاستمرارية في مختلف مناطق المملكة.