التوجه الحكومي لحلّ حزب الشراكة والإنقاذ

24 فبراير 2021
التوجه الحكومي لحلّ حزب الشراكة والإنقاذ

موسى العدوان

واليوم انطلاقنا من حرصنا على تراثنا، وإيمانا بضرورة التطوير المستمر لتعزيز المشاركة السياسية، وزيادة مشاركة الأحزاب والشباب قي البرلمان، لابد من النظر بالقوانين الناظمة للحياة السياسية، كقانون الانتخاب، وقانون الأحزاب، وقانون الإدارة المحلية، والسعي المستمر لمواصلة مسيرة التنمية السياسية. فهدفنا منذ سنوات طويلة، هو الوصول إلى حياة حزبية برامجية راسخة، تمثل فكر الأردنيين وانتماءاتهم، وتحمل همومهم وقضاياهم الوطنية الجامعة. وتعمل من أجل تحقيق تطلعاتهم، عبر إيصال صوتها وممثليها إلى قبة البرلمان “

” الملك عبد الله الثاني ابن الحسين”

التوجيه الملكي الوارد بأعلاه، والذي أطلقه جلالة الملك قبل بضعة أسابيع، يجب أن يشكل خطة عمل لحكومة دولة السيد بشر الخصاونه. وعليها أن تلتزم بتطبيقه عمليا، خاصة فيما يتعلق بالأحزاب والنشاطات السياسية وإدارة الدولة.

ولكن عندما نحاول التدقيق فيما تفعله الحكومة، نجد أنها تمارس عكس هذا التوجيه تماما، وأكبر دليل على ذلك ما نشاهده هذه الأيام، من تضييق على الأحزاب والنقابات والحراكات الشعبية، وعدم تحديث القوانين الهمة في الدولة. فهل تقرأ الحكومة توجيهات الملك بخلاف قراءتنا لها، فتستنبط ما بين السطور، وتجري له تفعيل مختلف عما فهمناه ؟

فحزب الشراكة والإنقاذ هو ما ينطبق عليه كلام جلالة الملك، إذ يعتبر في طليعة الأحزاب والحراكات الوطنية التي تحمل هموم الأردنيين وقضاياهم الجامعة، وهو الحريص على سلامة الوطن ونظامه. وقد جاء هذا الحزب بترخيص رسمي من حكومة أردنية سابقة، بعد أن اقتنعت بمبادئه وأهدافه، لتأتي اليوم حكومة جديدة تتنكر لذلك الحزب المرخّص، وتطلب من محكمة الإستئناف حله تحت مبررات واهية، لا تستند إلى مسببات سياسية هامة.

وهذا الحزب الذي ضم بين أعضائه خيرة أبناء الوطن، وأثبت وجوده على الساحة الأردنية، فساند قرارات الحكومة الإيجابية وعارض قراراتها السلبية، وشارك في كل النشاطات الوطنية حفاظا على مصالح الوطن وخدمة لاستقرار الأمن والنظام. ولا شك بأن هذا العمل هو من أهم واجبات الأحزاب، في الدول الديمقراطية التي تشكل من خلال عملها حكومات الظل، فتمارس معارضتها الإيجابية، وتنصح الحكومة إذا أخطأت في قراراتها، أو حادت عن الطرق الصحيح، من أجل تصويب مسيرتها. وهذا ما قام به حزب الشراكة والإنقاذ خلال مسيرته الماضية.

والمعارضة السياسية سواء قامت بها أحزاب أو مجموعات أو أفراد، هي أحد الأركان المهمة في الدولة لتطوير المجتمع، كما أنها مقياس للتقدم والحضارة فيها، تكمل صورة المشهد السياسي لأي نظام ديمقراطي سليم. ومن المعروف أن لا ديمقراطية بدون أحزاب قوية، تراقب وتصحح مسيرة الحكومة، فوجود تلك المعارضة أساسا، يجعل الحكومة تأخذ الحذر في قراراتها وتصرفاتها قبل أن تقدم عليها.

إن التوجه المؤسف من قبل الحكومة لؤاد حزب الشراكة والإنقاذ، الذي لم يزد عمره عن العامين، رغم إثباته لوجوده وقبوله من قبل الشعب بعد أن انتصر لقضاياه وقضايا الوطن، يذكّرنا بما كان يفعله غير المؤمنين قبل الإسلام، في وأد البنات الصغيرات دون ذنوب اقترفنها. فجاء كلام رب العزة في كتابه العزيز عند بزوغ فجر الإسلام : ﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾. فهل يمكن للحكومة أن تعتبر من هذه الآية الكريمة، ونسألها بأي ذنب يُحلّ حزب الشراكة والإنقاذ ؟ وهل للحكومة أن ترتدع عن وأد هذا الحزب الواعد وهو ما زال غضا في طور النمو ؟

وبهذه المناسبة، أرجو أن أذكّر بما فعله رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل، تجاه حزب معارض قبل 80 عاما. فحين دخل عليه في أربعينات القرن الماضي أحد معاونيه مبتهجا، لينقل إليه بشرى إصابة الحزب المعارض، بخسارة كبيرة في صناديق الانتخابات، ستقلص مقاعده في البرلمان، جاء ردّ الفعل غير ما توقع معاونه. فقد احتلت الغمّة أسارير تشرشل ورد قائلا : ” هذه نكبّة . . فالديمقراطية هي أساس قوتنا، والديمقراطية تكون بكامل عافيتها، حين تكون أمامك معارضة قوية، قادرة على أن تزرع لديك الإحساس باليقظة، والخوف من أي خطأ تقع فيه حكومتك، فترفع من قدرتك على النجاح. نحن حكومة تدير دولة مترامية الأطراف، تحتاج عيونا تراقب وترشد وتصحح.

أمّا لو لم يشاركك منافس قوي يكون ندّا لك، فالديمقراطية تكون بحيرة راكدة ساكنة، فاقدة للتيارات الجارية، سهل أن يظهر فيها العفن وفساد المياه. ثم – وهذا هو الأهم – إن الناس حين يشعرون أن الديمقراطية معطّلة بسبب ضعف أحد أهم أركانها، وهي المعارضة الحقيقية، يتكون لديهم شعور بانعدام الثقة في العملية السياسية برمتها “.

كان هذا الكلام لرئيس وزراء عسكري، وزعيم سياسي قاد الأمة البريطانية في الحرب والسلم، فعركته الحياة واستخلص منها هذه الحكمة العظيمة. فهل لرئيس وزرائنا القادم إلينا من بيئة دبلوماسية، سيدخل مئوية الدولة بإنجاز كبير، يكمل إنجازات من سبقوه التي يعرفها الجميع، من خلال حل حزب مرخّص، هو حزب الشراكة والإنقاذ، وقبله حل نقابة المعلمين، ليُظهر للعالم ديمقراطيتنا الغريبة في أوائل القرن الحادي والعشرين ؟