الكاتب د. محمد عبد الله القواسمة
ديوجينيس أو ديوجين Diogenes of Sinope نحو 421 – 323 ق.م)، أحد فلاسفة اليونان، ولد في سينوب بتركيا الآن، درس على يد الفيلسوف أنتيستنيس زعيم مدرسة الكلبيين، الذين سموا بذلك لعدم اهتمامهم بأسلوب حياتهم، واقتدائهم بالكلب، الذي يصفونه بأنه حيوان وقح، ولكنه حارس جيد، يميز أصدقاءه من أعدائه، فيرحب بالأصدقاء وينبح على الأعداء. وهم مثله يحرصون على مبادئهم وفلسفتهم.
كان ديوجينيس متأثرًا بأخلاق الكلاب، يرتدي الملابس البالية والخشنة، ويؤدي حاجات الجسم الطبيعية في السوق، ويأكل أي شيء، وينام في أي مكان، ويعرف غريزيًا من هو العدو ومن هو الصديق، وكان يعيش على التسول. ويروى أنه كان ينام في جرة خزفية كبيرة، ويتجول في الأسواق، وهو يحمل مصباحًا مضيئًا في عز النهار، ويجيب من يسأله عن ذلك، بأنه يبحث عن إنسان. كما يروى أن الإسكندر المقدوني زاره في مدينة كورنثوس أو كورنثة في جنوب وسط اليونان، وهو مسترخ في الشمس، وكان بينهما الحوار التالي:
– أنا الإسكندر المقدوني.
– وأنا ديوجينيس الكلب.
– هل تطلب مني شيئًا أحققه لك؟
– نعم، أن تبتعد عن وجهي حتى لا تحجب عنى أشعة الشمس.
– لو لم أكن الإسكندر لتمنيت أن أكون ديوجينيس.
– إذا لم أكن ديوجينيس، لوددت أن أكون ديوجينيس.
من هذه الأخلاق، وفهم الناس والحياة ينطلق ديوجينيس في النظر إلى المرأة، والحكم عليها. فهي لا تستحق العطف حتى، وهي تموت أو يجرفها السيل. رأى قومًا يدفنون امرأة، فقال: «نعم الصهر ما صاهرتم» ورأى سيدة يجرفها السيل فقال: «زادته كدرًا على كدر، والشر بالشر يهلك»
فالمرأة عند ديوجينيس هي الشر بعينه، وهي تشعل الأحقاد بين الناس فحين شاهد امرأة تحمل نارًا قال: «نار على نار، وحامل شر من محمول» وأبصر امرأة صغيرة وجميلة فقال: «خير صغير وشر عظيم» ورأى سيدة تستشير امرأة أخرى، فقال: «ثعبان يقترض سمًّا من أفعى»
وفي رأي ديوجينيس أن المرأة لا تستحق التعليم؛ لأنها ستستخدم علمها في فعل الشر. قال حين رأى جارية صغيرة وجميلة تتعلم:» سيف يُشحَذ للشر»، وقال لرجل يعلِّم جارية: «لا تزِد الشر شرًّا»
وديوجينيس لا ينصح بالزواج. أتى رجل إليه وسأله عن السن التي يستحق الإنسان فيها الزواج، فقال: «ما دام الإنسان صغيرًا فإن وقت زواجه لم يحِن بعدُ، ومتى صار كبيرًا فقد فات وقته»
لعل هذه النظرة الدونية إلى المرأة من قبل الفيلسوف ديوجينيس تنسجم مع نظرة الفلاسفة اليونانيين إليها، وأشهرهم سقراط وأفلاطون وأرسطو، فالمرأة عندهم نقيض العقل، ورمز للشهوة واللذة، كما تنص القوانين والأنظمة الطبيعية في نظرهم.
الغريب أن هذه النظرة تتناقض مع بعض المواقف لهؤلاء الفلاسفة، فسقراط ينطلق من علاقته الشخصية بالمرأة عندما ينصح تلاميذه بالزواج فإما أن يكونوا سعداء، وإما فلاسفة مثله.
ومن هذه المواقف أن أفلاطون المعلم الأول، الذي لم يتزوج يذكر في محاورته نساء فيلسوفات، منهن أسباسيا التي كانت بارعة في السياسة، و»ديموتيما» التي أدار حوارًا معها حول الحب السقراطي؛ لأنها كانت معلمة سقراط.
هكذا كانت نظرة ديوجينيس إلى المرأة نظرة لا إنسانية، (كما أرى) مع أنه أول من استخدم كلمة عالمي عندما سُئل من أين أتى، فأجاب: «أنا مواطن عالمي (كوزموبوليت)». لكن نظرته تلك تتفق وفلسفته المثيرة للجدل، والحياة التي كان يحياها مفعمة بالخشونة والفظاعة، ومناقضة للأعراف الاجتماعية. مع ذلك يظل ديوجينيس شخصية مؤثرة، حتى في عصرنا هذا؛ فما زالت ذكراه، رغم قرون من وفاته، تُبعث في الأدب والفن من حين لآخر.






