د. محمد الهواوشة يكتب: إلى متى يبقى بعض السفراء في برجهم العاجي؟

21 ثانية ago
د. محمد الهواوشة يكتب: إلى متى يبقى بعض السفراء في برجهم العاجي؟

بقلم د. محمد الهواوشة :

يبدو أنّ بعض سفرائنا في الخارج ما زالوا يظنون أنّ مواقعهم منزلة سماوية لا وظيفة عامة، وأن وجودهم في تلك الدول جاء ليُمنحوا الألقاب والامتيازات، لا ليخدموا أبناء وطنهم الذين يواجهون تحديات الغربة كل يوم. يتصرفون وكأن المنصب قدَر مُنزَّل إليهم، لا مسؤولية مرتبطة بالمحاسبة والواجب والمصلحة الوطنية.

المغترب الأردني ليس رقماً في الإحصاءات ولا ديكوراً لصور البروتوكول، بل هو المواطن الذي يحمل الأردن على كتفيه في كل محفل، ويعمل بجهده وماله ووقته ليعكس صورة بلده بأفضل وجه. ومع ذلك، نرى بعض السفراء يتعاملون وكأنهم فوق الخدمة، فوق النقد، وفوق المجتمع الذي يُفترض بهم أن يدعموه… مع أن الحقيقة واضحة وبسيطة:
السفير موظف يتقاضى راتباً لخدمة الأردنيين—not the other way around.

والمؤسف أنّ بعض السفراء لا يدركون أن المغتربين هم أفضل سفراء الأردن الحقيقيين حول العالم، وأن احترامهم والتواصل معهم واجب لا منّة. ورغم ذلك، نشاهد التجاهل، الغياب عن الفعاليات، عدم الرد على الرسائل، والتصرف وكأن هيبة المنصب تُقاس بالمسافة بينه وبين الناس!

والأدهى من ذلك أنّ هؤلاء السفراء لا يذكرون ولا يدعمون إلا من يحيط بهم من أصحاب المصالح الضيقة والمتزلفين، أو أولئك الذين يجيدون فن مسح الجوخ. أما من يعمل بصمت، من يجتهد، من يرفع اسم الأردن بعرقه… فلا مكان له في دائرة الضوء، وكأنّ التكريم أصبح مرهوناً برضا السفير لا بجهد الإنسان.

بل إننا كثيراً ما نرى مفارقة لافتة:
بعض القناصل في السفارات يعملون بجدّ وإخلاص يفوق السفير نفسه، يتواجدون بين الناس، يخدمونهم، يتواصلون معهم مباشرة، ويثبتون أن المنصب ليس امتيازاً بل مسؤولية. هؤلاء القناصل هم الوجه الحقيقي للدبلوماسية الأردنية، وهم الذين يمثلون بلدهم بأخلاق راقية وبقلب مفتوح، بينما يبقى السفير في برجه العاجي وكأنه غير معني بما يجري حوله.

وهكذا يتحوّل العمل الوطني أحياناً إلى حلقة مغلقة يدخلها من يجيد التصفيق ويتزلف، بينما يُستبعد أصحاب الإنجاز الحقيقي. وهذا لا يسيء للمغتربين فقط… بل يسيء لصورة الأردن وسمعتها واحترامها لطاقاتها.

إلى متى يستمر هذا النهج؟
إلى متى يُهمل السفير أبناء وطنه بينما يبدع القنصل في حمل العبء وحده؟
إلى متى يُكافأ التزلف ويُهمل العمل؟
إلى متى يبقى الصوت الصادق خارج دائرة الاهتمام؟

المغترب الأردني يستحق الاحترام لا الإهمال؛
يستحق الدعم لا التهميش؛
ويستحق أن يجد سفيراً يخدمه لا سفيراً ينتظر من يخدمه.

لقد آن الأوان لإعادة تعريف دور السفير بوضوح:
كرامة المغترب ليست خياراً، وخدمته ليست ترفاً، وموقع السفير ليس فوق الناس.

من يمثل الأردن يجب أن يحمل تواضعها وإنسانيتها واحترامها لأبنائها…
وإن لم يستطع، فليفسح الطريق لمن يفهم فعلاً معنى “الخدمة العامة”.