تبرعات غزة بين الدعم الشعبي والتوظيف السياسي

45 ثانية ago
تبرعات غزة بين الدعم الشعبي والتوظيف السياسي

د. سعيد ابو رحمه

أثار قيام بعض الجماعات في المملكة الأردنية بجمع التبرعات باسم غزة موجة من الجدل السياسي والإعلامي، خاصة في ظل السياق الإقليمي المتوتر والانقسام الفلسطيني الداخلي. ففي الوقت الذي تُجمع فيه الشعوب على دعم غزة، يبرز تساؤل مشروع حول من يحق له التحدث باسمها أو جمع الأموال لدعمها، وهل يتم توظيف هذه التبرعات لخدمة القضية، أم لأجندات سياسية معينة؟
تُتهم تلك الجماعات بمحاولة استثمار معاناة أهالي غزة لتعزيز حضورها السياسي في الأردن، خاصة مع تراجع نفوذها المؤسسي والحزبي. ويُنظر إلى حملات التبرع أحيانًا كأدوات لتجديد العلاقة مع القواعد الشعبية وتلميع صورتها داخليًا وخارجيًا.
فالشارع الأردني يتعاطف بشكل واسع مع غزة، لكن هناك تململاً من غياب الشفافية في كيفية صرف هذه التبرعات، ورفضًا لاستخدامها لأغراض حزبية. كما أن تعدد الجهات التي تدّعي تمثيل غزة يربك الجمهور ويضعف الثقة.
وتقوم تلك الجماعات بتوظف الإعلام الجديد لإبراز دورها في نصرة غزة، مستغلة المشاعر الإنسانية. غير أن بعض المؤسسات الإعلامية المستقلة بدأت تتساءل عن مصادر الأموال، وجهات تحويلها، ومدى التنسيق مع الجهات الرسمية والإنسانية المعتمدة.
محليًا، أثارت هذه التحركات مخاوف من إعادة إنتاج أدوار موازية داخل الدولة في إدارة المساعدات. وخارجيًا قد ينعكس الأمر على علاقة الأردن ببعض الأطراف الدولية التي تراقب عن كثب أي دعم غير رسمي قد يصب في قنوات مرتبطة بجهات مخالفة للقانون الدولي.
بين من يراها دعمًا صادقًا لغزة، ومن يعتبرها توظيفًا سياسيا، تبقى حملات التبرع التي تقودها تلك الجماعات في دائرة الضوء. فهي تعكس صراعًا على من يملك تمثيل المشاعر الشعبية تجاه فلسطين، وتثير نقاشًا عميقًا حول العلاقة بين العمل الخيري والسياسي في المنطقة.
تبرز هذه الحالة كمثال حي على التداخل بين الدعم الإنساني والمكاسب السياسية، مما يستدعي من الدولة تطوير منظومة شفافة وعادلة تسمح بمشاركة المجتمع المدني دون استغلال سياسي، وتحافظ في الوقت ذاته على سيادة القانون ووضوح المسؤوليات.
إن جمع التبرعات لغزة مسؤولية أخلاقية كبرى، وتتطلب شفافية ومأسسة وضمانات، بعيدًا عن الاستقطاب السياسي. فالقضية ليست مجالاً للمزايدة، بل تتطلب وحدة وطنية، وتنسيقًا رسميًا وشعبيًا، لضمان أن تصل المساعدات لمن يستحقها، لا لمن يستثمرها.