وطنا اليوم:أكدت وزارة المياه والري وجود رغبة لدى الجانب السوري في استمرار التعاون المائي مع الأردن، بما يخدم مصالح البلدين.
وقال الناطق باسم الوزارة، عمر سلامة إن الجانبين اتفقا على ضرورة تقاسم المياه بشكل عادل يضمن الحقوق المائية لكل طرف.
وأوضح أن الجانب السوري أبدى استعداداً للتعامل مع ملف الآبار التي تم حفرها بشكل غير قانوني خلال السنوات الماضية، من خلال وضع آلية يُتفق عليها خلال الاجتماع المقبل المقرر عقده في دمشق، الثلاثاء المقبل، بما يضمن الحفاظ على الموارد المائية بين الطرفين.
وأشار سلامة إلى أن الأردن سيقدم دراسة تتعلق بالاستمطار في منطقة حوض اليرموك، بهدف تعزيز التعاون المشترك في هذا المجال.
وأضاف أن الجانب السوري أبدى اهتماماً واضحاً بالحفاظ على حصة المياه المخصصة لسد الوحدة في الأردن، لافتاً النظر إلى أنه جرت أيضاً مناقشة إمكانية تزويد المملكة بكميات إضافية من المياه؛ لتعويض النقص خلال فصل الصيف.
ملف تاريخي معقد
تُعيد هذه الاجتماعات الدورية بين اللجان الفنية الأردنية والسورية إلى الواجهة ملفًا تاريخيًا معقدًا طالما مثّل واحدًا من أعقد أوجه العلاقة بين البلدين: ملف تقاسم مياه نهر اليرموك، الذي يُعدّ شريانًا حيويًا للزراعة والشرب في شمال الأردن وجنوب سوريا على السواء.
تاريخيًا، تعود جذور النزاع والتعاون في آن واحد إلى خمسينيات القرن الماضي، حين حاول البلدان تنظيم استغلال المياه المتدفقة من اليرموك عبر اتفاق أولي وُقّع عام 1953. غير أن هذا الاتفاق بقي حبيس الأدراج في كثير من بنوده بسبب غياب آليات رقابية فعّالة، فضلاً عن تباين التفسيرات بشأن ما يعتبر «استغلالًا عادلاً» للمياه.
وفي سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، تفاقمت الخلافات مع شروع سوريا في إقامة سلسلة من السدود الصغيرة والمتوسطة على مجرى النهر دون تنسيق كافٍ مع الأردن، وهو ما انعكس مباشرة على كميات المياه المتدفقة جنوبًا. من جانبها، اعتبرت عمان أن هذه المشاريع أحادية الجانب تمثل إخلالًا بالتفاهمات السابقة وتهديدًا مباشرًا لاحتياجاتها المتزايدة من مياه الشرب والزراعة، خاصة في محافظة إربد ووادي الأردن الذي يُعرف بكونه «سلة الغذاء» للمملكة.الأردن جولات سياحية
ثم جاءت التسعينيات وبداية الألفية الجديدة لتشهد محاولات جديدة لرأب الصدع عبر اتفاقيات أوضح وأكثر تفصيلًا. كان أبرزها اتفاق 1987 الذي حاول تحديد الحصص المائية بشكل أكثر صرامة، ثم اتفاق 2001 الخاص بمشروع «سد الوحدة» المشترك، والذي اعتُبر في حينه إنجازًا استراتيجيًا لتأمين حصة مائية مستقرة للأردن مع تعزيز التعاون بين البلدين. ورغم هذه الخطوات الإيجابية، بقي التنفيذ محفوفًا بالصعوبات؛ إذ تأخر بناء السد لفترات طويلة، كما استمرت الخلافات بشأن حجم المياه الفعلية الواجب إطلاقها من الجانب السوري، خاصة في مواسم الجفاف.
إلى جانب ذلك، زاد المشهد تعقيدًا مع اندلاع الحرب السورية عام 2011، التي عطّلت معظم مشاريع التعاون المشترك، وأدت إلى تضرر البنية التحتية للمياه شمال النهر، فضلاً عن انشغال دمشق بأولويات داخلية أمنية واقتصادية. وفي المقابل، وجد الأردن نفسه يواجه أزمة مائية خانقة تفاقمت مع موجات اللجوء السوري وتزايد الطلب المحلي، ما جعل استعادة التعاون مع دمشق في مجال المياه أولوية ملحّة لعمان.
اليوم، وبينما يجدد الوفد السوري زيارته لعمان ويطّلع على تجربة الأردن في الإدارة المائية الحديثة، يبدو أن ثمة فرصة لإحياء روح التعاون الفني والعملي بعيدًا عن التجاذبات السياسية.