هل الإقبال على المنصات أم غياب الوزارة سبب ضياع بوصلة الطالب؟

دقيقة واحدة ago
هل الإقبال على المنصات أم غياب الوزارة سبب ضياع بوصلة الطالب؟

بقلم: هشام بن ثبيت العمرو

في قلب الأزمة التعليمية المتفاقمة في الأردن، يبدو السؤال أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى: هل نحن أمام استفحال غير منضبط للمنصات التعليمية؟ أم أن الخلل الحقيقي يكمن في غياب الوزارة عن أداء دورها الدستوري والتربوي؟ وهل تحوّلت الفوضى القائمة إلى نتيجة طبيعية لفراغ رسمي سمح بانفلات السوق التربوي دون رقيب أو معيار؟

ليس من المبالغة القول إن المنصات التعليمية – التي بدأت كفكرة مساندة للطلبة – تحولت تدريجيًا إلى قنوات تجارية تستثمر في التعليم لا من أجل بناء الإنسان، بل من أجل تعظيم الأرباح. منصات نشأت فجأة، وانتشرت بسرعة، واستولت على اهتمام الطلبة وأولياء الأمور في غياب ملحوظ للبديل الحكومي القادر على المنافسة. بات بعضها يفرض أسعارًا باهظة، ويقدّم محتوى غير خاضع لأي مراجعة أو تقييم رسمي، ويستغل حاجة الطالب إلى الفهم، ويأسه من واقع تعليمي رسمي لم يعُد يلبي الحد الأدنى من الطموح.

لكن هل المنصات هي السبب أم النتيجة؟
الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن وزارة التربية والتعليم هي من ترك الباب مفتوحًا لهذه الفوضى. غابت عن المشهد حين احتاجها الطالب، وتراجعت عن قيادة التعليم حين احتاجها الوطن. بدلاً من تطوير المدارس وتأهيل المعلمين وتحسين البيئة الصفية، اكتفت الوزارة بإدارة ورقية جامدة، تُثقل كاهل المعلم بالنماذج والتعليمات، وتُفرغ المدرسة من كل روح تربوية فاعلة. أما الميدان، فبات أشبه بساحة مهجورة، يتنقل فيها الطالب بحثًا عن بصيص أمل في دروس مدفوعة، لا يُضمن مضمونها ولا نَسَقُها.

لقد استفحلت المنصات لأن الوزارة انسحبت.
وحين يغيب الإشراف، ويضعف الضبط، ويُترك الطالب بلا إطار تربوي واضح، فمن الطبيعي أن تنمو البدائل على حساب الأصل. فوضى المنصات ليست مرضًا بحد ذاته، بل عرضٌ لأزمة أعمق تتعلق بغياب الرؤية الرسمية، وتراجع المشروع التعليمي الوطني إلى الهامش.

المعلم، الذي يُفترض أن يكون محرك العملية التعليمية، أُقصي إلى دور إداري، والمدرسة الحكومية، التي كانت قلب التعليم، أُضعفت حتى لم تعد قادرة على جذب طالب واحد بلا ضغط أو حاجة. وبين هذه المفارقات، ينشأ جيل كامل في ظل تعليم لا يُشرف عليه أحد، ولا يُسأل عنه أحد، سوى الطالب نفسه، الذي يدفع الثمن من وقته وجهده ومال أسرته.

فهل نلوم المنصات لأنها ملأت فراغًا لم تملأه الوزارة؟
أم نعيد تقييم المشهد كاملًا، ونقرّ بأن غياب الدولة عن التعليم أفسح المجال لكل من هبّ ودبّ ليضع بصمته على مستقبل أبنائنا، بلا شرط ولا قيد؟

الحل لا يكون بمحاربة المنصات، بل بإعادة التوازن. لا بمنع التعليم الموازي، بل بتنظيمه، وتقوية الرسمي، وتمكين المدرسة، ورد الاعتبار للمعلم، وسنّ تشريعات تضع حدًا لتغوّل من يستغل التعليم كفرصة استثمارية. على وزارة التربية والتعليم أن تستعيد موقعها كقائد للمنظومة، لا كمراقب متأخر.

الطالب الأردني لا يحتاج دروسًا مكررة على الإنترنت، بل إلى تعليم وطني قوي، ومُعلّم مؤهل، ومدرسة عامرة بالحياة والفكر والانضباط. أما أن يُترك رهينة لمنصات غير منظمة، وأسر تُرهق اقتصاديًا ونفسيًا، في ظل غياب الوزارة، فهذه وصفة مؤكدة لمستقبل مضطرب، ووطن يفقد بوصلته المعرفية.

فهل تبدأ الوزارة بمراجعة الذات قبل أن تسأل أين الخلل؟ وهل نملك الجرأة لنقول: إن استفحال المنصات ما هو إلا مرآة لغياب رسمي لا يمكن تبريره؟