بقلم ماجد أبو رمان
كل التقدير والاحترام لرجال الأمن العام، فهم السد الأول في وجه الفوضى، وهم العيون الساهرة التي لا تنام. لا ينكر منصف جهودهم، ولا يقلل من حجم تضحياتهم، ولكن…
ولكن، لا يكفي أن نشهد عشرات الدوريات، ومواكب التفتيش، والحواجز المؤقتة، والكاميرات المزروعة في كل زاوية، ثم نستيقظ كل صباح على خبر طعن، أو إطلاق نار، أو مشاجرة جماعية، أو جريمة بشعة تخلع القلب من مكانه.
ما معنى كل هذه المظاهر الأمنية إذا كانت الجريمة تتكاثر كالطحالب؟ ما جدوى الاستعراض الأمني إذا كانت صفحات الأخبار تفيض بعناوين القتل والعنف والانتحار والاغتصاب؟
هل نحن أمام أمن حقيقي؟ أم أمام استعراض أمني يُسكن الخوف ولا يقتل أسبابه؟
هل نُطارد الجريمة في شوارعنا، أم نُداريها بالمظاهر؟
هل نُعالِج المشكلة، أم نُجمّلها؟
الجريمة لا تُهزم بالدوريات فقط، بل بالعدالة، بالتعليم، بالثقافة، بالفرص، وبأجهزة أمنية تعمل بذكاء أكثر مما تعمل بعضلات.
لكن لنكن أكثر جرأة…
الجريمة اليوم هي ابن شرعي لسياسات حكومية تراكمت لعقود. سياسات أنتجت الفقر، البطالة، الغبن، والاحتقان.
قوانين تُفصَّل للجباية لا للعدالة.
تشريعات تُرهق المواطن ولا تحميه.
ضرائب تأكل ما تبقى من دخله، وهجرات متتالية جلبت ثقافات غريبة، دون أن تُخلق منظومة دمج حقيقية، فاختلطت الهويات وتضاربت القيم، وتحوّلت الأحياء إلى جزر مغلقة.
ولا ننسى جذرًا لا يُراد الاعتراف به: تجاهل الشباب.
أجيالٌ كاملة تُقصى من القرار، وتُترك على الأرصفة، دون صوت، دون أمل، ودون دور.
كيف لا ينتج الغضبُ عنفًا، والخذلانُ نقمة، عندما يُشعر الشاب أنه عبء لا فرصة؟
وحين يُذل المواطن البسيط في طابور الوظيفة أو العلاج، بينما يُكرَّم الفاسد ويتنعَّم، كيف لا تنهار الثقة؟
العدالة الغائبة لا تعني فقط ضعف القانون، بل تعني كسر روح المجتمع.
نحن لا نواجه مجرمين فقط، بل نواجه أزمة مجتمع…
نواجه نتائج طبيعية لإفلاس السياسات، وغفلة الدولة عن واجباتها الاجتماعية.
لا نريد “أمنًا للكاميرا”، نريد أمنًا يُشعر المواطن أن بيته، وطفله، وكرامته… في حماية حقيقية.
نريد من الدولة أن لا تكتفي بزيادة عدد رجال الأمن في الشوارع، بل أن تبدأ حربًا ذكية على الجذور… على الفقر، والبطالة، واليأس، وتفكك الأسرة، وتآكل التعليم، وتهميش الشباب.
فليُفهم كلامنا على حقيقته: لسنا ضد الأمن، بل نحن مع أمنٍ حقيقي يُثمر أمانًا. أما أن نغرق في مظاهر صارمة والواقع يفلت من أيدينا، فذلك خداعٌ لا يليق بالدولة، ولا يُنطلي على المواطن
#ماجد_ابورمان