بقلم: عبدالهادي راجي المجالي
حين أنشأت قطر قناة الجزيرة، كانت جزءًا من مشروع سياسي متكامل لترجمة الخطاب الرسمي وترويجه، دون أن تخرج عن مظلة وزارة الخارجية. أما نحن، فقلّدنا الشكل دون الجوهر. أنشأنا قناة المملكة لنحاكي التجربة القطرية، لكن ما حدث أن القناة لم تكتفِ بتمثيل الدولة، بل بدأت تصنع سياسات الدولة، حتى صرنا نحن المواطنين مجرد خلفية صوتية على هامش بثها المباشر.
هذا ليس اتهامًا، بل توصيف لحقيقة تتجلّى بوضوح في المشهد الإقليمي الأخير، وتحديدًا الحرب بين إيران وإسرائيل. إعلامنا، وتحديدًا “المملكة”، بدا وكأنه يعبّئ الرأي العام ضد إيران، رغم أن طهران لم تذكر الأردن لا تصريحًا ولا تلميحًا. أين هي مصلحة الأردن في هذا الاصطفاف الإعلامي العنيف؟
لسنا هنا في موقع الدفاع عن مشروع إيران الطائفي، ولكننا في موقع السؤال عن هوية الخطاب الرسمي ومن يصنعه، والأهم: من يختطفه؟
لقد تربينا على أن المبادئ لا تباع، ولا تُبدّل بالمناصب ولا بالمكافآت. رأينا كيف كان البعثيون، والشيوعيون، والسلفيون، يتمسكون بمبادئهم رغم التضييق والسجون. لكن في الأردن، انقلب الإسلاميون على أنفسهم، وانتقلوا من تمجيد المقاومة إلى شيطنتها، فقط لأن النوافذ الإعلامية أصبحت تمنح شرعية جديدة لمن يرفع “راية البراءة” على الهواء.
ولم يكن اليسار بأفضل حالًا، فبعض من صدّع رؤوسنا في بيروت بشعارات الثورة، عاد إلى عمان يبحث عن مقعد في مجلس إدارة أو تمويل من منظمة أجنبية.
هؤلاء جميعًا، تسللوا عبر الإعلام، وتحوّلوا من أدوات تحليل إلى أدوات قرار. الأخطر من ذلك أن مؤسسات الدولة فتحت لهم الباب، وغضّت الطرف عن تقلباتهم، وكأن المعيار الوحيد للثقة هو “عدد الظهور على الشاشة”.
هل يدرك رئيس الوزراء حجم هذا التحوّل؟ هل يعلم أن بقاء الوزير صار مرهونًا بعدد إطلالاته على قناة المملكة؟ وهل تقبل الدولة أن تتحول محطة إعلامية إلى معيار للولاء والانتماء؟
الأردن الذي نعرفه لم يكن كذلك. كان واحة للمبادئ، قلعة تحميها القلوب، ومصنعًا للرجال لا للزبائن السياسيين. الأردن لم يكن يخضع لشاشة، ولا يستورد خطابه من استوديو.
ختامًا، لسنا من “المؤلفة قلوبهم”، بل من “المغضوب عليهم” الذين تعلّموا في الكرك أن السياسة شرف لا صفقة، وأن حب الوطن غضب مقدس لا يقاس بعدد المشاهدات.
حمى الله الأردن..وعاش الملك