بقلم د. هاني العدوان ـ باحث وكاتب سياسي
الكيان هاجم إيران ، قصف منشأة نووية إيرانية، اغتال قادة من الحرس الثوري، تصدر العناوين، ترد إيران، ارسلت رشقات من الصواريخ والمسيرات، بعضها تناثر في الجو، وبعضها مر دون أثر يذكر، ثم تدخل أميركا فجأة، بقاذفة بي تو، تضرب قلب حلم المشروع النووي الإيراني، وتعلن أنها أجهزت على الحلم، بضربة واحدة من السماء
الأنظار العالمية تهرع إلى طهران وتل أبيب، العناوين تمتلئ بلغة الرعب الإقليمي، القنوات تتحول إلى غرف عمليات، والتحليلات تنهال، لكن في الخلفية، حيث لا عدسات ولا شهود، كانت غزة تسحق بكل ما أوتي الكيان من نيران، كانت تُقصف، تُجرف، تُحاصر، تُجوع، الكيان لم يغادر جبهة غزة، بل صب جام غضبه عليها تحت غطاء الحرب الإقليمية، في لحظة خيانة إعلامية كبرى، حيث العالم كله كان ينظر للسماء فوق إيران، بينما الموت الحقيقي كان يتساقط على أطفال غزة
ثم يخرج ترامب، من بوابة النار، يعلن اتفاق وقف إطلاق نار بين الكيان وإيران، لا ذكر فيه لغزة، ولا لحصار، ولا لمحرقة، فقط تسوية ناعمة لنار مصطنعة، وشرعنة ضمنية لمحرقة حقيقية
الكيان يربح، يعلن النصر على إيران، ويواصل الإبادة في غزة بلا إزعاج دولي، نتنياهو يخرج بصورة القائد المحارب، إيران تربح اعترافاً جديداً بأنها قوة يحسب لها ألف حساب، ما زالت حاضرة على الطاولة، لكن بقوة، وأمريكا تقبض من الجميع، ترسم توازنات جديدة بالنار، وتُسكت الجميع بهدنة
العرب، يتقلصون أكثر، لا هم حلفاء في الحرب، ولا شركاء في السلام، يتفرجون على صياغة جديدة للمنطقة، يراقبون تمكين الكيان وتثبيت الملالي، ولا يُطلب منهم شيء سوى دفع الفواتير، والجلوس في الهامش
غزة، وفلسطين كلها، خارج النص، خارج اللعبة، خارج الاهتمام، تُباد في الظل بينما تُسلط الأضواء على صراع تم إخراجه بإتقان، كأن المطلوب من العالم أن ينسى أن الجريمة الحقيقية ليست ما بين تل أبيب وطهران، بل ما بين مدفع دبابات الكيان وطفل في حضن أمه في مخيم النصيرات
ولأولئك الذين كانوا يكيلون الاتهامات للأردن بأنه يمنع نصرة فلسطين بإغلاق أجوائه، نقول ها قد رأيتم كيف تُفتح الأجواء حين تكون الحرب كاذبة، وحين يُراد لها أن تكون استعراضا لحروب تمثيلية وأدوار مدفوعة الثمن
الأردن لم يسمح بأن تكون أرضه مسرحا لحروب مزيفة أو ممرا لصواريخ الوهم، بل ظل ثابتا على موقفه التاريخي، لم يبدل البوصلة، ولم يتاجر بالدم الفلسطيني، ولم يتخل عن غزة يوما، بل ظل المناصر الصادق الوحيد لها، بلا صخب ولا إعلام ولا صفقات
هذا هو الموقف الذي لا يُصاغ في البيانات، بل يُكتب في الضمير، ويُحفر في التاريخ، ويُثبت في زمن الخيانة الكبرى