بين مطرقة النار وسندان الردع بعد قصف المفاعلات النووية الإيرانية… إلى أين تتجه المنطقة؟

45 ثانية ago
بين مطرقة النار وسندان الردع بعد قصف المفاعلات النووية الإيرانية… إلى أين تتجه المنطقة؟
 بقلم: عوني الرجوب
باحث وكاتب سياسي
عندما تنكسر القواعد وتُخرق الخطوط الحمراء، لا يعود السؤال: “من بدأ؟” بل يصبح: “من سيتحمّل ارتدادات الكسر؟”.
لقد دخلنا في مشهد تتكلم فيه القوة بصوت مرتفع، وتتراجع فيه الدبلوماسية إلى المقاعد الخلفية، مراقبةً كيف يُعاد ترتيب الإقليم برمته بلغة الحديد والنار.
قصف المفاعلات النووية الإيرانية –أياً كانت مساحته ونطاقه– لم يكن مجرد ضربة عسكرية؛ بل خطوة متهورة تحمل في طياتها تحوّلًا جذريًا في قواعد الاشتباك الاستراتيجي، يُعيدنا إلى منطق “الحرب الاستباقية” لكن هذه المرة في محيط مهيّأ للاشتعال أكثر من أي وقت مضى.
توقيت الضربة: قراءة ما بين السطور
قد يُقال إن التوقيت جاء كرد على تصعيد إيراني، أو تحرك استباقي لمنع تحول طهران إلى قوة نووية مكتملة.
لكن في عمق المشهد، يظهر عامل مركزي آخر: الحاجة الأميركية إلى إعادة إنتاج الردع في منطقة تفلّتت من قبضتها تدريجيًا، حيث لم تعد لغة التحذير تكفي، وكان لا بدّ –وفق حسابات واشنطن– من إشهار السلاح لإعادة ضبط الإيقاع.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة:
هل يعيد هذا القصف ضبط المنطقة؟ أم يفتح الباب لمرحلة من الردود غير المتوقعة؟
استهداف المنشآت النووية: اللعب على حافة الكارثة
ما حصل لا يمكن اعتباره مجرد رسالة تكتيكية.
ضرب منشأة نووية، في أي مكان من العالم، يعني كسر واحدة من المحرّمات الكبرى في القانون الدولي. فهو تهديد للبيئة، وللسيادة، وللأمن الجماعي.
إنها ليست مجرد “ضربة احترافية دقيقة” كما يُروّج البعض، بل إعلان بأن السياسة لم تعد تجد مساحتها في المشهد، وأن ساحة الصراع عادت إلى منطق الغلبة لا التفاهم.
 إيران: بين حسابات الهيبة وحسابات الكلفة
إيران –التي لطالما مارست سياسة “الصبر المراوغ”– تواجه اليوم لحظة حرجة. الصمت سيكون قاتلًا لهيبتها أمام جمهورها وأذرعها، والردّ غير المحسوب سيكون قاتلًا لتموضعها الجيوسياسي.
لكن المؤكد: أنها لن تصمت. فإيران لا ترد على التهديد برد مباشر فوري، بل عبر تكتيك التمديد والتشتيت والإنهاك.
وربما نرى سيناريوهات تشمل:
•تفعيل أذرعها في أكثر من جبهة دفعة واحدة.
•ضرب مصالح حيوية في الخليج أو البحر الأحمر.
•هجمات إلكترونية تعطل أنظمة حساسة.
•أو حتى عمليات مباغتة لا تحمل توقيعًا مباشرًا، لكنها تشير بإصبعها إلى طهران.
الشرق الأوسط ما بعد الضربة ليس كما قبله:
•إسرائيل في دائرة الرد المحتمل، سواء بمفردها أو باعتبارها أحد مُشجعي القرار الأميركي.
•الخليج العربي يتوجّس من تداعيات الضربة، وإن اختلفت المواقف السياسية علنًا.
•واشنطن تعرف أنها فتحت بابًا قد لا يُغلق بسهولة، لكنها تراهن على أن إيران ستحسب كل خطوة ثلاث مرات.
•القوى الدولية الكبرى (روسيا، الصين) ستدخل المشهد بلهجة أعلى دعمًا لإيران، ليس حبًا بها، بل كخصم استراتيجي للنفوذ الأميركي.
في العمق الاستراتيجي: هل نحن أمام حرب مباشرة؟
ليس بالضرورة. الحرب الشاملة ليست في مصلحة أحد.
لكننا أمام مشهد شبيه بـ”البركان الخامل”؛ كل ما حوله يوحي بالهدوء، لكنه قابل للانفجار في أي لحظة، وبأي زاوية غير محسوبة.
الرد الإيراني لن يكون تقليديًا… ولا مباشرًا بالضرورة… لكنه –حتماً– سيكون مؤلمًا.
من يربح معركة التوقيت؟
ما يجري اليوم ليس صراعًا بين دولتين، بل بين مفهومين للهيمنة:
أحدهما يرى أن القوة هي آخر اللغة، والآخر يرى أن طول النفس قادر على تغيير قواعد اللعبة.
المنطقة على مفترق حساس. وفي لحظات كهذه، لا ينجو الأقوى دائمًا، بل الأذكى… والأكثر قدرة على تحويل الضربة إلى فرصة، والنار إلى وقود لحراك سياسي محسوب.
فهل نعيش بداية تحوّل في توازن القوى؟
أم أننا نكتب –ببطء– فصول حرب طويلة باردة… ساخنة في آن؟
مابين هذا وذاك الايام كفيله  بان ترينا ماهو آت