بقلم: هشام بن ثبيت العمرو
في مشهد يُجسّد تناقضات الأداء المؤسسي أمام التحديات الفنية الدقيقة، أعلن معالي الدكتور خالد طوقان، رئيس هيئة الطاقة النووية الأردنية، عن نية الحكومة توزيع أقراص يوديد البوتاسيوم على المواطنين، في حال وقوع تسرّب إشعاعي، وذلك ضمن ما وُصف بأنه إجراء وقائي استباقي.
هذا الإعلان، وإن كان يُظهر حرصًا على سلامة المجتمع، إلا أنه في جوهره يثير تساؤلات جوهرية حول مدى اكتمال الجاهزية الوطنية للتعامل مع مثل هذه الحوادث الطارئة، وما إذا كانت الخطط المصاحبة لتوزيع الأقراص موجودة أصلاً، أم أن التصريح جاء معزولًا عن سياق الاستعدادات الفعلية.
فالحديث عن توزيع أقراص واقية من الإشعاع – بحد ذاته – لا يكفي ما لم تسبقه حملات توعية مدروسة، وتدريبات ميدانية، ورسائل إعلامية موجّهة توضّح طبيعة الخطر، وأعراض التعرض، وتوقيت تناول الدواء، وسلوكيات الحماية الفردية والجماعية.
ولعلّ الأبرز في هذا السياق هو الغياب شبه الكامل لأي إشارات رسمية حول الملاجئ أو أماكن الإخلاء، أو على الأقل خريطة توضّح مواقعها ومدى جاهزيتها. فكيف يُطلب من المواطن أن يطمئن بينما لا يعرف أين يذهب في حال الطوارئ؟ وكيف يثق بالإجراءات وهو لم يتلقَّ تدريبًا واحدًا على الإخلاء أو الحماية من التلوث الإشعاعي؟
أما عن خطة الطوارئ الوطنية، فهي تبدو في أحسن الأحوال ملفًا مغلقًا لا يُسمح بالاقتراب منه، وكأنها من أسرار الأمن القومي، رغم أن الشفافية في مثل هذه المواضيع هي جزء لا يتجزأ من إدارة الأزمات.
الوقاية من المخاطر الإشعاعية لا تتحقق بأقراص دوائية فقط، بل تحتاج إلى نظام متكامل من الوعي المجتمعي، والتأهب المؤسسي، والاستجابة السريعة، وهو ما لا يبدو متاحًا في الوقت الراهن.
إن المواطن الأردني، وهو المعروف بوعيه العالي واستعداده للتعاون متى أُحسن توجيهه، يستحق أن يكون شريكًا في إدارة الطوارئ لا مجرد متلقٍ لإجراءات معزولة. والتعامل مع الملف الإشعاعي يتطلب تخطيطًا علميًا واضحًا، وتنسيقًا بين الجهات المعنية، وتواصلاً صريحًا مع الناس، لا الاكتفاء بالتصريحات.
وختامًا، تبقى الأسئلة قائمة:
هل وُضعت خطط التعامل مع الحوادث النووية ضمن أولويات الحكومة الفعلية؟
هل تم تحديد الجهات المسؤولة عن إدارة الأزمة؟
هل هناك تقييم دوري لمستوى الجاهزية؟
وهل المواطن جزء من هذه المنظومة، أم أنه مجرد مستقبل لتصريحات لا يُعرف إن كانت قابلة للتطبيق وقت الحاجة؟
حتى تكتمل الإجابة، نرجو أن تبقى الأقراص في علبها، وأن يبقى اليود في مجاله الطبي، وأن تتحوّل الإدارة الوقائية من إجراء شكلي… إلى منظومة عملية متكاملة.