فنّ المستحيل في السياسة: كيف أجهض الملك عبدالله الثاني رهانات المتطرفين وسط نيران الإقليم؟

ساعة واحدة ago
فنّ المستحيل في السياسة: كيف أجهض الملك عبدالله الثاني رهانات المتطرفين وسط نيران الإقليم؟

وطنا اليوم- كتب محرر الشؤون السياسية- في لحظة إقليمية بالغة الحساسية، تتشابك فيها الجبهات وتتصاعد نيران الحرب من غزة إلى طهران، برز الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني كصوت حكيم وسط الصخب، وكنموذج للدولة التي تدير التحديات لا بردود الفعل، بل بالعقلانية الاستباقية، وبفن الممكن حين يقترب من المستحيل.

فقد شهدت المملكة خلال الأسابيع الأخيرة محاولات متكررة من بعض الجهات المتطرفة لاستثمار الغضب الشعبي حيال العدوان الإسرائيلي على غزة، ومحاولة تطويعه لخدمة أجندات داخلية تستهدف النيل من مواقف الدولة الثابتة، وزرع الفتنة بين الدولة ومجتمعها.

لكن الملك عبدالله الثاني، وبحنكة القائد المتمرس، أجهض هذه الرهانات مبكرًا، حين ترأس يوم الأحد اجتماعًا في قصر الحسينية ضم رؤساء السلطات الثلاث، وقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، مؤكدًا بشكل حاسم أن “الأردن لن يسمح لأحد باستغلال التطورات الإقليمية الراهنة للتشكيك بمواقفه الثابتة تجاه قضايا الأمة”.

هذا التصريح لم يكن مجرد رد سياسي، بل رسالة واضحة للداخل والخارج، بأن موقف الأردن من فلسطين غير قابل للتشكيك أو المزاودة، وأن من يحاول استغلال دماء غزة لزرع الانقسام، إنما يستهدف الدولة لا الاحتلال.

وشدد جلالة الملك خلال الاجتماع على أهمية المحافظة على تماسك الجبهة الداخلية وتعزيز الروح الوطنية، معتبرًا أن وعي الأردنيين هو السد الأول في وجه مشاريع الفوضى، وأن الدفاع عن القضايا القومية لا يكون بإضعاف الدولة أو التشكيك بمؤسساتها.

وفي إشارة ذكية إلى طبيعة المعركة الشاملة، وجّه جلالته جميع مؤسسات الدولة إلى العمل على تخفيف الآثار الاقتصادية الناتجة عن التصعيد الإقليمي، واضعًا المواطن في صلب معادلة الأمن والاستقرار، ومؤكدًا أن الجوع والضغط الاقتصادي قد يكونان بوابة للفراغ والاضطراب، إن لم تتم مواجهتهما بسياسات حكيمة وشاملة.

ولم يغب البعد الدبلوماسي عن المشهد، فقد جدد الملك التأكيد على أن لا استقرار حقيقي في المنطقة دون حلّ جذري للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، داعيًا إلى وقف إطلاق النار في غزة، وخفض التصعيد في الضفة الغربية والقدس، والعودة إلى مسار سياسي حقيقي يفضي إلى حل الدولتين.

لقد بدا واضحًا أن الأردن، بقيادة الملك، لا يكتفي بردود الفعل، بل يصوغ مساراته بوعي متكامل، يربط بين أمن الداخل، وموقفه القومي، ومكانته الدولية. وفي ذلك يتجلى “فن المستحيل في السياسة” كما يمارسه الملك عبدالله الثاني: أن تحفظ أمن بلدك، وتحمي جبهتك الداخلية، وتقف بثبات مع فلسطين، وترفض في الوقت ذاته أن تُستخدم ساحة لحروب الآخرين أو مشاريعهم.

اليوم، يسجّل الأردن حالة سياسية نادرة في محيطه، ليس فقط لأنه نجا من أزمات كبرى، بل لأنه يديرها بثقة وواقعية ووفاء لمبادئه. وهذا ما يصنع الفارق… بين دولة تُقاد، ودولة تقود.