لا نريد لإيران أن تنهزم لكننا نريد أن تتغير

ساعة واحدة ago
لا نريد لإيران أن تنهزم لكننا نريد أن تتغير

د. هاني العدوان

لست ممن يعادون ايران، بل إني معها في مواجهة غطرسة الكيان الصهيوني وتماديه، وضد شيطان العالم أميركا التي تعيث فسادا ودمارا في الشرق والغرب وتغذي كل مشروع يخدم مصالحها الاستعمارية، ايران اليوم تقف شبه وحيدة في مواجهة أعتى القوى العالمية، تتلقى الضربات من السماء والأرض، وتحاصر سياسيا واقتصاديا وتتهم بكل نقيصة، في وقت تلتزم فيه كثير من العواصم الصمت، بل إن البعض شامت

لكن هذه العزلة التي تمر بها ايران اليوم ليست وليدة اللحظة، بل نتاج تراكم طويل من السياسات التي كرست التوجس منها، ووسعت فجوة الثقة مع الشعوب العربية قبل أنظمة الحكم، فمواقف كثير من الدول التي التزمت الحياد أو التفرج لم تأت من فراغ، بل من مزيج قلق من المشروع التوسعي الإيراني، ومن تدخله المباشر والسافر في شؤون الدول العربية، ومن دعمه العلني للمليشيات الطائفية المسلحة التي فتتت النسيج الوطني في أكثر من بلد، وجعلت من العنف المذهبي أداة للصراع

لقد ساهم مثلث النفوذ الإيراني – الممتد من طهران إلى بغداد إلى دمشق وبيروت – في تعزيز المخاوف من نوايا لا تقتصر على الدفاع عن مصالح استراتيجية، بل تتعداها إلى محاولة فرض واقع مذهبي سياسي جديد، هذا الواقع كان في كثير من المحطات سببا مباشرا في خراب عواصم عربية، وفي تحويل المعركة من مواجهة مع الكيان إلى مواجهات أهلية داخلية أنهكت الجميع

الشعوب العربية والإسلامية، رغم كل ذلك، لا تكن العداء لإيران، ولا تشمت في ألمها، بل على العكس، ما زالت تنبض بقدر كبير من التعاطف الشعبي معها، لأنها ترى فيها دولة رفضت التطبيع، ورفعت راية المواجهة، واحتضنت قوى مقاومة، لكنها اليوم تتطلع منها إلى أكثر من مجرد مواقف وشعارات، تتطلع إلى مراجعة جذرية صادقة لكل السياسات التي جعلت ايران في موضع العداء مع الشعوب لا مع الأنظمة فقط

المرحلة التي تمر بها ايران خطيرة، وهي تحتاج إلى التفاف شعبي عربي وإسلامي واسع، وهذا لن يتحقق ما لم تظهر ايران نية حقيقية للتغيير، تغير فيه أدواتها ومقارباتها وتحالفاتها، وتستبدل التدخل بالدعم، والتوسع بالتعاون، والمليشيات بالدبلوماسية، والوصاية بالاحترام المتبادل

اليوم، الكرة في ملعب ايران، إن أرادت أن يتحول التعاطف إلى تضامن، وأن تجد نفسها بين حلفاء لا بين صامتين أو شامتين، فعليها أن تبدأ بمصالحة صادقة مع جيرانها، وتفتح صفحة جديدة قوامها الاحترام، والدعم، والشراكة الإسلامية العاقلة، ففي زمن الذئاب الكاسرة، لا مكان لمن يقف وحده، ولا من يقف في العتمة، المطلوب شجاعة مراجعة، وصدق نوايا، وصفاء رؤية، عندها فقط، ستجد ايران أن من كانت تراهم خصوما، هم أوفى الأوفياء وقت الشدة