فادي السمردلي يكتب: مبادرة مرسال عندما يُصبح التراث الجسر الحيّ نحو الهوية الوطنية الأردنية

5 ثواني ago
فادي السمردلي يكتب: مبادرة مرسال عندما يُصبح التراث الجسر الحيّ نحو الهوية الوطنية الأردنية

بقلم فادي زواد السمردلي
في زمن تتراجع فيه الأصوات المحلية أمام ضجيج العالم الرقمي وثقافات العولمة المتسارعة، تطل مبادرة *”مرسال – صوت التراث الذي لا يغيب”* كمشروع ثقافي نوعي يُعيد الاعتبار للتراث الغنائي الأردني بوصفه أحد أقوى التعبيرات الحيّة عن الهوية الوطنية إن “مرسال” ليس مجرد محاولة لإحياء الأغاني الشعبية التقليدية، بل هو رؤية متكاملة تسعى إلى تحويل التراث إلى تجربة معاصرة نابضة، يعيشها الجيل الجديد بوعي واعتزاز وفي الوقت ذاته، يؤسس المشروع لمسار توثيقي بالغ الأهمية يحفظ الإرث الغنائي الأردني من التآكل والنسيان، ويمنحه حياة جديدة تتجاوز حدود الجغرافيا والزمن.

تكمن أهمية “مرسال” في إدراكه العميق للصلة الوثيقة بين التراث والهوية، فالأغنية الشعبية ليست مجرد منتج فني، بل هي وعاء ثقافي يُختزن فيه وجدان الشعوب وتجاربها، وهي مرآة تعكس حياة الناس في أفراحهم وأتراحهم، في حروبهم وسلمهم، وفي تفاصيلهم اليومية ومن هنا، يأتي المشروع ليُعيد تقديم هذه الأغاني ضمن سياق حديث يراعي ذائقة الشباب دون أن يفرّط بجوهر الأصالة فالباحثون العاملون على المبادرة لا يختارون الأغاني عشوائيًا، بل ينقّبون في جذورها، ويجمعون حكاياتها، ويفككون رموزها، ليقدموها بطريقة سردية تشدّ المستمع وتفتح له بابًا لفهم أعمق لتاريخ مجتمعه.

ولا يتوقف “مرسال” عند التوثيق والإنتاج، بل يتوسع نحو تحقيق تواصل فعّال بين الناس وتراثهم من خلال الفعاليات الحوارية والنقاشية التي تُنظم بعد كل إصدار في هذه اللقاءات، يتحول المستمع إلى مشارك، وتتحول الأغنية إلى محور للنقاش والتحليل والإبداع الجماعي كما تتيح هذه الفعاليات مساحة لتلاقي الأجيال، حيث يروي الكبار ذكرياتهم مع الأغنية، ويعيد الشباب اكتشافها بعين جديدة. هذا التفاعل المجتمعي لا يسهم فقط في إحياء الأغنية، بل في خلق علاقة حيوية مستمرة مع التراث، تعزز من الشعور بالانتماء والفخر الوطني.

من جهة أخرى، يقدّم “مرسال” دعمًا ملموسًا للموسيقيين والفنانين الأردنيين، من خلال إشراكهم في عمليات التسجيل والإنتاج والعروض الحيّة وهو ما يسهم في خلق بيئة إنتاج فني متجذر محليًا، يعيد تشكيل السوق الثقافي الأردني على أسس تُثمّن التراث وتعزّز من استدامته كما أن الانتشار الرقمي الواسع الذي يُتيحه المشروع عبر المنصات المختلفة يُمكّن الأغنية الأردنية من الوصول إلى جمهور عربي وعالمي، ويمنح التراث الغنائي المحلي فرصة عادلة للانتشار والتأثير.

في المحصّلة، يمثل “مرسال” أكثر من مشروع فني أو ثقافي، إنه حراك وطني يحمل في جوهره رسالة وجودية مفادها أن الهوية لا تُصان إلا بالوعي، وأن التراث لا يُحيا إلا عندما يُعاد اكتشافه بلغة العصر إنه الجسر الذي يصل الأردني بأغنية جده، ويربط الماضي بالحاضر دون أن يُفقده روحه، ويمنح كل أردني فرصة ليقول بفخر: “هذا صوتي… وهذا تراثي… وهذه هويتي”.