من تيد كروز إلى الكتاب المقدس: من النصوص المقدسة إلى السياسة الخارجية: هل تُدار السياسة الأميركية الخارجية من “سفر التكوين”؟

34 ثانية ago
من تيد كروز إلى الكتاب المقدس: من النصوص المقدسة إلى السياسة الخارجية: هل تُدار السياسة الأميركية الخارجية من “سفر التكوين”؟

بقلم/ د. عادل يعقوب الشمايله

في مقابلة تلفزيونية لافتة أجراها الإعلامي الأميركي تاكر كارلسون مع السيناتور الجمهوري تيد كروز، سأل الأخير ضيفه عن معلومات أساسية حول إيران، كعدد سكانها، تركيبتها العرقية والمذهبية، فكانت إجابات السيناتور مشوشة وغير دقيقة، بل كشف عن جهل مقلق حين اعترف بعدم معرفته بعدد سكان دولة هي في صلب الخطاب السياسي الأميركي تجاه الشرق الأوسط منذ أربعة عقود.

هذا الموقف لا يمكن عزله عن الخلفية الفكرية والدينية التي تحكم مواقف كروز وغيره من السياسيين المنتمين لتيار “اليمين الإنجيلي” في الولايات المتحدة، الذين لا يستندون في رؤيتهم للمنطقة إلى معلومات جيوسياسية أو تاريخية دقيقة، بل إلى تفسيرات دينية لنصوص من “الكتاب المقدس” يرون أنها ترسم خريطة التحالفات والعداوات على المستوى الدولي.

ما كشفته مقابلة تيد كروز لم يكن مجرد زلّة لسان، بل تجسيد حيّ لفجوة هائلة بين المعرفة والسياسة، وبين الدين والدولة، في طريقة تفكير شريحة كبيرة من صانعي القرار الأميركيين. وحين يُدار مصير الشرق الأوسط من داخل النصوص المقدسة لا من داخل مراكز الأبحاث، فإن المنطقة تبقى رهينة نبوءات لا تعرف الرحمة، ولا تتحدث لغة المصالح أو العدل.

أولاً: الجهل السياسي أم اليقين اللاهوتي؟

حين يُبدي سيناتور بارز بهذا الحجم جهلًا بأساسيات جغرافية وديموغرافية تخص إيران، فإن هذا لا يعود إلى ضعف شخصي فقط، بل إلى فجوة معرفية منهجية في طريقة التفكير السياسي السائدة لدى عدد من صناع القرار الأميركيين الذين يستبدلون التحليل العقلي بالتأويل اللاهوتي.

فكروز، كغيره من السياسيين الإنجيليين، يتبنى مواقف عقائدية تجاه قضايا كبرى مثل دعم إسرائيل، وضرورة إسقاط النظام الإيراني، ليس فقط بناءً على “مصالح قومية أميركية”، بل بناءً على تفسيراتهم لنبوءات توراتية تتعلق “بنهاية الزمان” و”عودة المسيح”.

ثانيًا: إسرائيل في اللاهوت الإنجيلي

يرى التيار الإنجيلي – الذي يشكل كتلة انتخابية مؤثرة في الحزب الجمهوري – أن دعم إسرائيل واجب ديني، لأنه يُسرّع في تحقيق النبوءات التي يُنتظر أن تسبق عودة السيد المسيح. ويستند هذا التصور إلى عدة نصوص توراتية، من أبرزها:

1. وعد الأرض لإبراهيم ونسله:

“وقال الرب لإبرام… لأن جميع الأرض التي أنت ترى لك أعطيها ولنسلك إلى الأبد”

(سفر التكوين 13:14-15)

تُفسر هذه الآية على أنها وعد إلهي أبدي بملكية اليهود لأرض فلسطين، بما يشمل “أورشليم” (القدس) وما حولها، مما يدفع الكثير من السياسيين الأميركيين الإنجيليين – ككروز ومايك بنس – إلى اعتبار أي تقويض للسيادة الإسرائيلية “اعتداء على إرادة الله”.

2. البركة واللعنة وفقًا للموقف من إسرائيل:

 “وأبارك مباركيك، ولاعنك ألعنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض.”

(سفر التكوين 12:3)

يرى العديد من الإنجيليين أن دعم إسرائيل يجلب البركة للأمة الأميركية، في حين أن معاداتها تجلب اللعنة، وهو ما يُفسر دعمهم غير المشروط للسياسات الإسرائيلية، حتى تلك التي تُخالف القانون الدولي.

3. عودة اليهود إلى أرض الميعاد كعلامة لآخر الزمان:

“ها أنا آخذ بني إسرائيل من بين الأمم… وآتي بهم إلى أرضهم.”

(سفر حزقيال 37:21)

هذه الآية تُقرأ لدى الإنجيليين كإشارة إلى أن إقامة دولة إسرائيل في 1948 كانت تحقيقًا لنبوءة توراتية، وأن بقاء هذه الدولة وازدهارها شرط مسبق لعودة المسيح المنتظرة.

ثالثًا: إيران كرمز “الشر النبوي”

على الطرف الآخر، تُصوَّر إيران في العقل اللاهوتي الإنجيلي – ومنه السياسي – كقوة معادية لله ولشعبه، استنادًا إلى تفسيرات معينة لنبوءات “سفر دانيال” و”سفر الرؤيا”، وأحيانًا “سفر حزقيال”:

1. نبوءة “جوج وماجوج”:

“وتأتي من موضعك من أقاصي الشمال أنت وشعوب كثيرون معك… وتصعد على شعبي إسرائيل كغمام يغشي الأرض.”

(حزقيال 38:15-16)

يفسر بعض الإنجيليين أن “جوج وماجوج” تشير إلى تحالف دولي يضم روسيا وإيران (فارس) يهاجم إسرائيل في آخر الزمان، مما يُبرر لديهم الموقف العدائي الراسخ تجاه طهران، حتى وإن لم تُقدم الأخيرة على أي عدوان مباشر ضد الولايات المتحدة.

رابعًا: النتائج السياسية لهذا اللاهوت

إن خطورة هذا الخطاب الديني لا تقتصر على الإطار النظري، بل تمتد إلى صناعة القرار، وتنعكس في:

 • دعم غير مشروط لإسرائيل، حتى في سياساتها الاستيطانية والعنصرية.

 • تحريض مستمر على الحرب مع إيران، باعتبارها تجسيدًا للشر الإلهي.

 • تهميش كامل للقضية الفلسطينية، التي تُعتبر لدى هؤلاء “عقبة أمام خطة الله”.

وهذا ما يفسر كيف يمكن لسياسي مثل تيد كروز أن يدعو لتغيير النظام في إيران، بينما لا يعرف شيئًا عن طبيعة هذا البلد، لا لغته ولا قومياته ولا مذهبه.

خامسًا: تفكيك الخطاب الديني لاستعادة السياسة

إن العالم العربي، ومعه المجتمع الدولي، بحاجة إلى تفكيك هذا الخطاب اللاهوتي الذي يختطف السياسة الأميركية، ويحولها إلى أداة لتحقيق نبوءات دينية منسوبة للكتب المقدسة. فالتعامل مع المنطقة من منظور “النبوات” لا “الوقائع” يجرّ المنطقة إلى صراعات لا نهاية لها.