بقلم: د. محمد الهواوشة
بينما يعتقد البعض أن الحرب بين إيران وإسرائيل هي صراع وجود، يتكشّف للمراقب الحصيف أن ما يجري ليس سوى صراع على القسمة، لا على المبدأ.
القسمة هنا ليست أرضاً محتلة، ولا حقاً تاريخيا، بل “كعكة إقليمية” تتجسّد في الدول العربية السُّنية، بما تملكه من موقع وثروات وشعوب.
إيران، التي تتغنّى بشعار “القدس لنا”، لم تُطلق رصاصة واحدة لتحريرها منذ أكثر من أربعة عقود، لكنها أتقنت لعبة التوسع في العواصم العربية، عبر الوكلاء تارة، وبالنفوذ الطائفي تارة أخرى.
أما إسرائيل، فهي لا تمانع هذا التمدد ما دام لا يُهدد أمنها المباشر، بل تستغله لترهيب جيرانها، وتعزيز شرعيتها الدولية، وتقديم نفسها كـ”درع واقٍ” لأنظمة الخليج.
ما بين طهران وتل أبيب، لم يعد الخلاف على الوجود، بل على النفوذ، وعلى من يقتسم الغنيمة الأكبر من جسد العالم العربي المفكك.
وفي هذا المشهد، تبدو الدول العربية السنية وكأنها ساحة للعبة شطرنج لا تملك فيها أي قطعة حق التحرك، بل فقط تُدفَع وتُضحّى بها.
*صراع بارد على ظهر ساخن*
اللافت أن هذه الحرب المزعومة بين إيران وإسرائيل لم تؤثر على خط الغاز شرق المتوسط، ولا على الملاحة في الخليج، لكنها فجّرت الانقسام داخل الصف العربي.
بين من يراها فرصة للتحالف مع “الشيطان الأقرب”، ومن يراها ضرورة لمهادنة “العدو الأكبر”.
وبين هذا وذاك، تُسحق القضية الفلسطينية، وتُستخدم كورقة لا كمبدأ، ويُستنزف القرار العربي بين العواصم الأجنبية.
*الحل ليس في الانحياز… بل في الاستفاقة*
لا العرب سيخرجون رابحين من التبعية لطهران، ولا من الارتماء في أحضان تل أبيب.
إنه زمن الصحو لا الانجرار، وزمن إعادة بناء المشروع العربي السُّني المستقل.
—
*نداء إلى العواصم العربية: استعيدوا زمام المبادرة*
نُقدّم هنا دعوة جادة ومخلصة إلى الدول العربية السنية، فالمعركة على القسمة لن تنتهي إلا حين نُعلن نحن أننا لسنا قابلين للاقتسام:
بناء مشروع عربي موحد يُحصّن القرار السيادي من الابتزاز ويعيد تعريف الأمن القومي العربي.
تبني موقف عربي جماعي مستقل من الصراع الإيراني–الإسرائيلي، قائم على رفض أن نكون مجرد أدوات في صراعاتهم.
إحياء القضية الفلسطينية كأولوية سياسية وأخلاقية وإستراتيجية.
إطلاق تحالف إقليمي عربي حقيقي، يقوم على التنسيق الأمني والسياسي، ويملك أدوات الردع وليس فقط ردود الفعل.
تمكين الشعوب العربية في القرار، وتعزيز استقرار داخلي يقطع الطريق على وكلاء الخارج.
—
*نعم، لقد اختلفوا على القسمة…*
*لكن آن لنا أن نكون أصحاب الأرض، لا موضوع الصفقة.*