بقلم: اسراء بني ياسين
في كل مرة ترتفع فيها حرارة التصعيد بين إيران وإسرائيل، يعود السؤال إلى الواجهة: هل يمتلك أحد الطرفين فرصة حقيقية للانتصار، أم أن الكل خاسر في حال اندلاع مواجهة شاملة؟ المشهد الإقليمي لا يتيح إجابة حاسمة، لكن المؤكد أن الحرب – إن اتسع نطاق الحرب – لن تكون كسابقاتها، ولن يخرج منها أحد سالمًا بالكامل.
طهران، صاحبة النفَس الطويل، تدير صراعها بذكاء استراتيجي يمتد عبر الجغرافيا. ليست بحاجة لجيش يعبر الحدود، يكفيها أن تحرك وكلاءها من اليمن إلى لبنان، لتربك خصومها وتستنزفهم من دون أن تطلق رصاصة مباشرة. “إيران لا تحارب في طهران، بل في بيروت وغزة وصنعاء”، نقلا عن أحد الباحثين الغربيين، في توصيف دقيق لأسلوبها في إدارة الصراع.
وكما هو واضح وعلى الطرف الآخر، تبدو إسرائيل مستعدة دائمًا. منظومات دفاع جوية أثبتت فاعليتها، جهاز استخبارات يُحسب له ألف حساب، وتحالف ثابت مع واشنطن لا يتزعزع. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قال مؤخرًا: “سنمنع إيران من امتلاك سلاح نووي بكل الطرق، وسنفعل ما يلزم لضمان أمننا القومي.” لكن إسرائيل، رغم تفوقها العسكري، لا تستطيع تجاهل أن إيران لم تعد الخصم المعزول كما كانت في الماضي، وأن أي مواجهة اليوم ستكون على أكثر من جبهة، وبأكثر من أسلوب.
وهنا يجب الذكر ان الدور الأمريكي حاضر بقوة وإن بشكل غير مباشر. واشنطن، الداعم الرئيسي لتل أبيب، لا تخفي قلقها من تصاعد التوتر، لكنها في الوقت ذاته لا ترغب في خوض حرب جديدة في الشرق الأوسط. تصريح المتحدث باسم البيت الأبيض مؤخرًا بأن “الولايات المتحدة تدعم أمن إسرائيل، لكنها تحث جميع الأطراف على ضبط النفس”، يعكس هذا التردد الاستراتيجي الذي يحكم موقف الإدارة الأمريكية في لحظة دقيقة من المنافسة مع الصين والانشغال بالحرب في أوكرانيا.
وطبعا لن ننسى روسيا، فهي تلعب دورًا أكثر هدوءًا، لكنها لا تغيب عن المشهد. علاقاتها مع طهران تعززت كثيرًا في السنوات الأخيرة، خاصة عبر الساحة السورية، لكن موسكو تدرك أن اندلاع حرب واسعة بين إيران وإسرائيل سيهدد توازناتها في المنطقة، ويعقّد تدخلها في ملفات عديدة. ولذلك فهي تميل إلى إبقاء التوتر تحت سقف السيطرة، دون أن تعلن موقفًا صريحًا.
ولا يجب ان ننسى قدره ايران على اغلاق مضيق هرمز شريان النفط العالمي وبالتالي اثاره حفيظة امريكا وفي حال تدخلت امريكا بشكل مباشر فان لايران القدره على قصف وربما اغراق الاساطير الامريكيه في الخليج.
في هذا السياق، تبدو الحرب غير التقليدية هي المسرح الحقيقي للصراع. اغتيالات، هجمات سيبرانية، تفجيرات محسوبة، ورسائل ملغومة تُرسل من اليمن أو جنوب لبنان أو حتى عمق العراق. معايير الانتصار هنا لم تعد تُقاس بالأرض التي تُحتل أو بعدد الضحايا، بل بمدى القدرة على الصمود والاستنزاف وتحقيق أهداف استراتيجية بدون الانزلاق إلى حرب شاملة.
لكن الحقيقة التي لا يمكن إغفالها، أن الشعوب هي التي تدفع الثمن. العالم العربي – من المحيط إلى الخليج – يقف على الهامش، يتابع المشهد بقلق. الدول تحاول النأي بنفسها، لأنها تدرك أن أي حرب ستنعكس على استقرارها الداخلي واقتصاداتها المنهكة. في هذه اللحظة الحساسة، الانتصار الأكبر قد لا يكون عسكريًا، بل سياسيًا وأخلاقيًا، حين ينجح طرف ما في تجنيب المنطقة كارثة لا تُبقي ولا تذر.
من هذا المنطلق، قد لا يكون السؤال الأهم هو من سينتصر، بل كيف يمكن تجنّب الحرب أصلًا. لأن الانتصار، إن حصل، سيكون فوق ركام المدن، وأشلاء الأبرياء، وخراب المنطقة كلها.