(غضب المجوس يضر وينفع… وغضب العرب لا يضر ولا ينفع

50 ثانية ago
(غضب المجوس يضر وينفع… وغضب العرب لا يضر ولا ينفع

بقلم الدكتور ابراهيم النقرش

من المؤسف أن نكتب ما سنكتبه، لكنه الواقع، والواقع لا يُوارى بغربال الأمنيات. فها نحن نعيش لحظة فارقة في تاريخ الشرق الأوسط، إيران تضرب إسرائيل مباشرة، لا عبر وكلاء، ولا في الظل، بل في العلن، وتوجعها كما لم توجعها قوة إقليمية من قبل، بينما العرب – بكل أسف – في صمتهم العميق، ومهاتراتهم العقيمة، لم يقدّموا سوى بيانات الشجب والتساؤلات الساذجة حول “مسرحيات واتفاقات”.
لقد تجاوزت إسرائيل حدودها وغطرستها، لا فقط على الأرض العربية، بل الآن تمددت لتستفز إيران مباشرة، لأنها – وببساطة – لم تعد ترى في العرب خصومًا ولا حتى أطرافًا، بل ادوات وحلفاء وظيفيين يقومون بأدوارها نيابة عنها. لم تعد تخشى من غضب عربي، لأن الغضب العربي أصبح صراخًا فارغًا، بلا سلاح ولا مشروع ولا قرار، بينما الأنظمة العربية انشغلت بإخماد شعوبها، لا برد العدوان.
في لحظة واحدة، أطلقت إيران مئات الطائرات المسيّرة والصواريخ نحو العمق الإسرائيلي، ضربت المطارات والمراكز العسكرية، وأربكت حسابات دولة طالما اعتبرت نفسها “القوة التي لا تُقهر”. ولأول مرة، عرفت إسرائيل طعم الرد بالمثل، كما ردّت طهران على قصفها، بندٍ لندٍ، ودمار بدمار، في توازن ردع لا يرحم.
فعلت إيران ما عجزت عنه الأنظمة العربية مجتمعة، والتي دُمرت شعوبها وقُصفت غزّة أمام عيونها، ولم تنبس ببنت شفة إلا عبر ميكروفونات الشجب والتنديد.
نختلف مع إيران عقائدياً، نعم، ونرفض مشروعها الطائفي في بعض أوجهه، نعم.
لكننا – بمنتهى الإنصاف – نقرّ بأنها دولة ذات قرار سيادي، ولها مشروع، وتدافع عنه، بينما غالبية الأنظمة العربية لا تملك مشروعًا ولاوزناً ولا اتحادًا ولا حتى صوتًا حرًا. إيران، رغم حصارها، تملك الإرادة، بينما العرب لا يملكون حتى الجرأة على إصدار بيان خارج الإذن الأمريكي.
الشعوب العربية، رغم ما يُضَخّ من تشويه إعلامي، رأت في الضربة الإيرانية وجعًا مؤجلاً انتقل إلى صدر العدو. رأت إسرائيل تحت القصف، للمرة الأولى، تعيش لحظات هلع كما عايشها أطفال غزة مرارًا. شعر بعضهم بشيء من العدالة الرمزية، ولو أنها جاءت من غير العرب.
لقد أدّت إيران دورًا لم يقم به العرب، فرفعت رأسها، وأعادت رسم صورة للشرق الأوسط ليست كلها خنوعًا وعمالة.
لكنّنا لا نكاد نفرح حتى يظهر علينا من يشكك، ويقول: “كلها مسرحية!”، “كلهم أعداء يتفقون خلف الستار!”.
وهنا نسألهم: حتى لو كانت مسرحية، هل تملكون أنتم أن تؤدوا مثلها؟
هل تستطيعون أن تردّوا كما ردت؟ أن تهدّدوا كما هدّدت؟ أن تصنعوا فعلًا يجعل العدو يعيد حساباته؟
أم أنكم تكتفون بالهجوم على كل فعل، لأنكم لا تقدرون على الفعل؟!
قال أحد الرؤساء الأمريكيين ذات مرة:
“غضب العرب لا يضر ولا ينفع، أما غضب إيران فيضر وينفع”،
وهذا واقع مؤلم.
فالغضب الإيراني يعني تحركًا حقيقيًا، ردًا، إرباكًا في حسابات الغرب وإسرائيل،
بينما الغضب العربي لا يتعدى شاشة الجزيرة والعربية.
من لا يفعل، فليصمت!
من لا يملك قرارًا سياديًا، ولا مشروعًا وحدويًا، ولا حتى تصريحًا شجاعًا،
فلا يحق له أن يُزايد على من واجه، وردّ، وأوجع، ولو كان خصمًا مذهبيًا.
من لا يقوى على رفع صوته، لا يحق له أن يسخر من صاروخ الآخرين.
من لم يجرؤ حتى على قول “لا” لإسرائيل،
فلا يشتم من قالها… وإن كان من “المجوس”.
أيها العرب، عيرونا صمتكم،
عيرونا قنواتكم الرسمية التي تشتم المقاومة وتغازل الاحتلال،
عيرونا جبن حكوماتكم التي تكتفي بانتظار الأوامر من واشنطن.
أما من عنده ما هو أحسن من “مسرحية إيران”، فليتفضل إلى المسرح،
وإلا فليجلس في زاوية من نادي الهزيمة… ويصفق بهدوء.