الأردن… حين يتكلم التاريخ وتسقط الأقنعة

ساعة واحدة ago
الأردن… حين يتكلم التاريخ وتسقط الأقنعة

بقلم: هشام بن ثبيت العمرو

في زمن كثر فيه المتحدثون وقلّ فيه أهل القرار، وحين صار الهذيان يُسمّى مقاومة، والشتيمة تُغلّف بسؤال، خرجت علينا شاشة لبنانية عفِنة، مرتهنة للمال الملوث والفتاوى السوداء، تبث اتصالًا استعراضيًا مع معالي العين محمد داودية، أحد وجوه الأردن الرصينة وصوت السيادة الهادئة.

ظنّت المأجورة – التي ادّعت أنها مذيعة – أنها بمحاولات الاستفزاز و”استجوابها المموّه”، قد تجر الأردن إلى زاوية التبرير أو الاعتذار. لكنها – ككل من انسلخ عن التاريخ – جهلت أنها تضع رأسها الصغير أمام جبل اسمه الأردن.

لقد أرادت أن تحاكم قرارًا سياديًا اتخذه الأردن بإسقاط صواريخ إيرانية عبرت أجواءه في غمرة الاشتباك الأخير. لكنها أخطأت الهدف، لأن الأردن لا يتحرك بأمر من سفارة، ولا يبيت في سراديب الضاحية، ولا يأتمر بفتاوى خامنئي ولا وصايا سليماني.

الأردن دولة، لا شظية من مشروع مذهبي، ولا تابع في سوق نخاسة المقاومة المزوّرة. الأردن حين يحمي سماءه، لا يفعل ذلك بوصاية، بل بسيادة. لا يُهادن على ترابه، ولا يُساوم على أمنه.
ومن أراد المقارنة، فلينظر إلى دويلة “المماتعة”:
حزبٌ مسلح يُخطف به الوطن، يُسلّح ويأتمر ويُعلن أنه جندي في جيش ولاية الفقيه.
دولة لا رئيس فيها إلا بإذن الضاحية، ولا قرار إلا بما تمليه طهران.
كل حروبها تبدأ على أرضها، وتنتهي في مقابر شعبها.

أما نحن، فماضينا ممهورٌ بدماء الشهداء من باب الواد إلى اللطرون. أول دبابة قاتلت في القدس كانت أردنية، وأول بندقية دافعت عن فلسطين حملها جندي هاشمي.
جيوشنا لم تكن “كتائب ظل” ولا أدوات لخطف الدولة، بل مؤسسات وطنية، جيشٌ عقيدته عربية لا مذهبية، سلاحه شريف لا مأجور.

فكيف يُقارَن من كانت عاصمته عمّان بغيره ممن ينام القرار فيه في حضن “الضاحية” ويصحو على نشرة موجهة من “قم”؟

ليست المشكلة في السؤال الذي وُجه لداودية، بل في النَفَس الذي خرج منه.
نَفَس ملوّث بعقيدة التشكيك، مسموم بنبرة الوصاية، وكأن الأردن يجب أن يستأذن من “محور الموت” قبل أن يذود عن ترابه.

لكن الرد الأردني كان على قدر المقام: لا تبرير، لا تلعثم، لا خضوع.
كان صوتًا من صوت الدولة، يرفض أن يُعامل الأردن كدويلة تابعة، ويرفض أن يُمتحن وطنٌ كُتب تاريخه بالدم لا بالدجل.

من يريد أن يحاور الأردن، فليأتِ بلغة السيادة، لا بلغة الشتيمة المغلفة.
ومن أراد أن يورّط الأردن في صراعات عبثية، فليبحث عن أرض أخرى ليحرقها.

أما هذه الأرض، فمحميةٌ بالشرف والشرعية، لا تخضع لأمراء الدم ولا عبيد الفتنة.

الأردن ليس جزءًا من “محور اللطم”، ولا يؤمن بـ”التحرير عبر الخطابات”، ولا يسمح بأن تتحول أراضيه إلى ميدان تُصفّى فيه الحسابات الإقليمية على حساب المواطن الأردني.

هذه المملكة، لم تحكمها عمائم سوداء، بل عمامة نبوية هاشمية.
ولم تعرف الطائفية، بل عرفت الوحدة.
لم ترفع راية سواها، ولم تسجد إلا لله.

فليصرخ من شاء من ضواحي التبعية،
وليُحركوا أبواقهم كما اعتادوا،
لكن ليعلموا أن صوت عمّان،
حين يُرفع… لا يُسكت.