بين التيه والفرصة: تحالف عربي–تركي أم نهاية الدور العربي؟

ساعة واحدة ago
بين التيه والفرصة: تحالف عربي–تركي أم نهاية الدور العربي؟

بقلم : عوني الرجوب
باحث وكاتب سياسي

في خضم المشهد العربي الممزق، وبين ركام العواصم التي أُحرقت بنيران الفوضى، وأنظمة مكبّلة بحسابات داخلية وتحالفات متشابكة تُقيّد حركتها، يبرز سؤال مصيري: هل ما زال للعرب مشروع؟
لقد بات واضحًا أن المنطقة العربية تفتقر اليوم إلى مشروع جامع ينهض بها من حالة الغثاء السياسي، ويعيد لها دورها الحضاري والتاريخي. وبينما تتزاحم المشاريع الإقليمية من حولنا — الإيراني، الصهيوني، التركي، والغربي — نجد أنفسنا مجرد ساحات نفوذ لا أكثر، لا نملك من أمرنا إلا رد الفعل، وأحيانًا لا نملك حتى ذلك.

لست مع إيران التي طعنت العراق وتاجرت بالقضية، ولا أبرئ تركيا من طموحاتها، لكني أؤمن أن الوقوف ضد كل مشروع إقليمي لمجرد أنه ليس “عربيًا خالصًا” هو انتحار سياسي.
تركيا — رغم اختلافنا مع بعض مواقفها — تظل الأقرب ثقافيًا ودينيًا وتاريخيًا، وهي الوحيدة التي ما زالت تمتلك مشروعًا يتقاطع مع هوية الأمة. فلماذا لا نمد لها اليد إن كانت لدينا الإرادة والرؤية؟ لماذا نحارب كل مشروع نهضوي إن لم يكن عربيًا، بينما لا نملك مشروعًا عربيًا واحدًا منذ عقود؟

إذا استمر العرب في معاداة كل من يحاول النهوض، فسنعود فعلًا كما كنا في الجاهلية: حفاة رعاة، تُباع كرامتنا في مزادات الأمم، ولا نملك من القرار شيئًا.

الفراغ العربي… وصعود الآخرين

لقد أصبحت الجغرافيا العربية ساحة مفتوحة لصراع المشاريع المتعددة. المشروع الإيراني يزحف بثبات مستندًا إلى شعارات دينية وطائفية، بينما يُحكِم قبضته على القرار في عدد من العواصم. المشروع الصهيوني يتوسع تحت حماية أمريكية ودولية، متجاوزًا كل الخطوط، في حين تنشغل الأنظمة العربية بالخوف من شعوبها أكثر مما تخشاه من أعدائها.

وسط كل هذا، تتحرك تركيا برؤية استراتيجية، تجمع بين القوة الناعمة والدبلوماسية والنفوذ الاقتصادي والعسكري. هي لا تتقدم من فراغ، بل تملأ فراغًا تركه العرب، وتبحث عن موقع فاعل في مستقبل المنطقة، مدفوعة بتاريخها ومصالحها.

لماذا نرفض اليد الأقرب؟
كثيرون يرفضون تركيا تحت ذريعة “لا نريد عودة الهيمنة العثمانية”. لكنهم في المقابل، لا يعترضون على التغلغل الصهيوني، ولا يمانعون النفوذ الإيراني، ولا يستنكرون التبعية الكاملة للغرب.
الرفض هنا ليس رفضًا مبدئيًا للهيمنة، بل رفض لأي طرف قد يُساهم في بعث الروح في هذه الأمة، ولو بحدها الأدنى. إنها عقلية “لا نريد أن ننهض، ولا نريد لأحد أن يُنهضنا”.

تركيا دولة لها مصالحها، نعم. لكنها أيضًا أثبتت أنها تقف – حين تتاح لها الفرصة – إلى جانب قضايا الشعوب، سواء في غزة، أو في ليبيا، أو حتى في سوريا حين تخلى عنها الجميع. وهذه المواقف تستحق التأمل، لا العداء.

نحو شراكة واقعية تعيد التوازن

ليست الدعوة هنا إلى التبعية لتركيا، ولا إلى تفويضها بقيادة الأمة، بل إلى بناء تحالف متكامل يُعيد للعرب بعضًا من دورهم التاريخي.
تحالف يُوازن بين الاستقلال والسيادة، وبين المصالح المشتركة والرؤية الموحدة، ويخلق قوة سياسية واقتصادية تُحدث فارقًا حقيقيًا في المعادلة الإقليمية.

العرب وحدهم – في وضعهم الراهن – عاجزون عن بناء هذا المشروع. وتركيا وحدها لن تملأ كل الفراغ. لكن شراكة تجمع بين ما بقي من العقل السياسي العربي، والقدرة السياسية التركية، يمكن أن تنتج شيئًا جديدًا، واقعيًا وفعّالًا، يُحاكي روح الأمة، دون أن يكرر أخطاء الماضي.

صوت نابع من عمق الألم والأمل

لسنا بحاجة إلى شعارات جوفاء، ولا إلى معارك داخلية وهمية. نحن بحاجة إلى وعي استراتيجي، يُدرك أن بقاء هذه الأمة مرهون بإرادتها في التعاون لا في التناحر، وفي بناء المستقبل لا اجترار الماضي.

فلننظر إلى تركيا لا كخصم، بل كشريك ممكن.
ولنُعد طرح الأسئلة التي نخاف منها: ما الذي نريده فعلًا؟ وما الذي يمنعنا من أن نصنعه مع من يمد لنا اليد؟
الفرص لا تنتظر كثيرًا. وإن لم نتحرك الآن، فربما نكون قد أضعنا آخر فرصة للكرامة.