بقلم فادي السمردلي:
لم تعد نيران الصراع بين إيران وإسرائيل محصورة بين طهران وتل أبيب، بل تمددت ألسنتها لتلامس أجواء دول الجوار، وفي مقدمتها الأردن واليوم، اتخذ النزاع منعطفًا خطيرًا، بعد أن أقدمت إسرائيل على تنفيذ واحدة من أعنف ضرباتها الجوية ضد إيران، مستهدفة منشآت نووية ومراكز للقيادة والسيطرة التابعة للحرس الثوري، في عملية عسكرية وصفتها تل أبيب بأنها “استباقية”، بينما اعتبرتها طهران “عدوانًا مباشرًا وإعلان حرب” وهذا الهجوم لم يكن مفاجئًا فحسب، بل متعمّدًا في توقيته وحجمه، ومرشحًا لجرّ المنطقة إلى دوامة صراع مفتوح، تتجاوز حدودهما لتطال دولًا غير منخرطة مباشرة في المواجهة، كما حدث مع الأردن الذي وُضِع فجأة في عين العاصفة.
ردّ إيران لم يتأخر، إذ أطلقت موجة كثيفة من الطائرات المسيّرة عبر اتجاهات متعددة نحو إسرائيل، إلا أن بعض هذه المسيّرات سلكت مسارات جوية عبر الأجواء الأردنية، مما استدعى تدخلًا سريعًا من قبل سلاح الجو الأردني الذي اعترضها وأسقط عددًا منها الحدث، الذي هزّ الرأي العام الأردني، لم يكن مجرد تحدٍ عسكري، بل إنذار بأن خطوط النار باتت قريبة، وأن الحروب الإقليمية لم تعد تدار من خلف الحدود، بل من فوقها فالأردن تعامل مع الاختراقات الجوية بما يلزم من حزم ومسؤولية، مُفعلًا منظوماته الدفاعية ومشددًا على أنه لن يسمح لأي طرف باستخدام أجوائه كمنصة حرب، سواء كان المعتدي إيران أو إسرائيل.
لكن في قلب هذا التصعيد، من الواضح أن إسرائيل كانت الطرف المبادر بالضربة الأولى، والتي افتتحت بها فصلاً جديدًا من الصراع عبر استهدافها لمراكز يُعتقد أنها على صلة بتطوير البرنامج النووي الإيراني. وبعيدًا عن النقاش المشروع حول طموحات إيران النووية، فإن التوقيت الذي اختارته تل أبيب – في ظل تراجع مستوى التنسيق الدولي وانشغال الولايات المتحدة بملفات أخرى يكشف رغبة إسرائيلية في فرض أمر واقع عسكري، ولو على حساب استقرار دول الجوار. من هنا، لا يمكن تجاهل أن العدوان الإسرائيلي شكّل شرارة الانفجار الأمني الذي وضع الأردن أمام معادلة معقدة الدفاع عن سيادته من أدوات ردّ إيرانية جاءت نتيجة لهجوم لا علاقة له به، لكن نتائجه تلامسه مباشرة.
أمام هذا الواقع، يبدو أن خيارات الأردن تتراوح بين تصعيد محسوب وموقف دبلوماسي حازم فعلى الصعيد الأمني، أثبتت المؤسسة العسكرية جاهزيتها العالية للتعامل مع الخطر الجوي المتسارع أما على المستوى السياسي، فإن الاردن مطالب بتكثيف تحركاته على خط المجتمع الدولي، لتأكيد أن استقرارها ليس خطًا رماديًا في الحسابات الإقليمية، بل عنصر توازن حاسم في قلب الشرق الأوسط الملتهب كما ينبغي أن يترافق هذا التحرك مع رسائل واضحة للجانبين الإيراني والإسرائيلي بأن الأردن ليس ساحة عبور للحروب، ولن يسمح بتحويله إلى منطقة “عازلة” تدفع ثمن مغامرات الآخرين.
وفي ظل هذا التعقيد، لا يمكن للأردن أن يكتفي بردود الفعل المؤقتة، بل عليه بناء منظومة استجابة استراتيجية طويلة المدى، تتضمن تطويراً نوعياً للدفاعات الجوية، وبناء تحالفات ذكية تحفظ له استقلالية قراره، دون الانخراط في لعبة المحاور فالعبرة ليست فقط في القدرة على صد المسيّرات، بل في منع الأسباب التي تُطلقها من الوصول إلى حدودنا وما حدث اليوم ليس سوى حلقة في مسلسل متصاعد من الاختبارات الأمنية، التي تُحتّم على الأردن أن يكون حاضرًا، يقظًا، وشديد الوضوح في رسم حدوده… في السماء كما في السياسة