الكهرباء في العراق .. أزمة مستمرة رغم 80 مليار دولار

53 ثانية ago
الكهرباء في العراق .. أزمة مستمرة رغم 80 مليار دولار

وطنا اليوم:مع بدء تخطي درجات الحرارة في عدد من المدن العراقية حاجز 45 درجة مئوية، عاد ملف الكهرباء إلى الواجهة بوصفه من أبرز الأزمات المزمنة التي تُثقل كاهل المواطن العراقي. ورغم إنفاق أكثر من 80 مليار دولار على قطاع الكهرباء منذ عام 2003، وفق تقارير ديوان الرقابة المالية، لا تزال منظومة الطاقة الكهربائية تعاني من انقطاعات طويلة، وساعات تجهيز لا تتجاوز 6 إلى 8 ساعات يوميًا في معظم المناطق، فيما تصل ساعات القطع إلى أكثر من 14 ساعة.
الحكومة من جهتها، تعزو التراجع إلى الضغط المتزايد على الشبكة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الطلب اليومي الذي يتجاوز حاليًا حاجز 35 ألف ميغاواط، في حين أن القدرة الإنتاجية لا تتجاوز 24 ألف ميغاواط. وقال المتحدث باسم وزارة الكهرباء، أحمد موسى، إن الأزمة الحالية في ملف الطاقة الكهربائية “خرجت عن نطاق مسؤولية الوزارة”، عازيًا أسباب التدهور الكبير إلى العقوبات الدولية المفروضة على إيران، التي أعاقت سداد مستحقات الغاز المورد للعراق، ما أدى إلى توقف وحدات توليد رئيسية وخسارة نحو 4000 ميغاواط من الطاقة، إلى جانب فقدان 1000 ميغاواط أخرى نتيجة توقف خطوط الربط الكهربائي.
وأضاف موسى في تصريح صحافي، أن المنظومة الكهرباء كانت تستعد لإنتاج ما يقارب 27 ألف ميغاواط خلال صيف 2025، إلا أن شح الوقود حال دون ذلك، ليصبح الإنتاج المتاح فعليًا أقل من 23 ألف ميغاواط. وأوضح أن الوزارة كانت قد اتخذت استعدادات مبكرة لمواجهة الذروة الصيفية، لكن المتغيرات الدولية، ولا سيما القيود المفروضة على إيران، تسببت بشلل مفاجئ في خطة الطوارئ، وأن المحطات العراقية تعتمد على مزيج من الغاز المحلي والمستورد.
وختم موسى بالتأكيد على أن وزارته تبذل أقصى الجهود الممكنة لتحقيق عدالة التوزيع بين المحافظات، مشدداً في الوقت ذاته على أن الوزارة تواجه قيودًا خارجية قاسية تعيق تنفيذ خططها، ما يتطلب دعمًا حكوميًا مباشرًا وتحركًا دبلوماسيًا عاجلاً لتأمين مصادر الوقود البديلة.

غضب بسبب انقطاع الكهرباء
وفي خضم موجة الغضب الشعبي من تردّي واقع الكهرباء التي تعاني منها بغداد وبقية المحافظات، عبّر عدد من المواطنين ، عن معاناتهم اليومية مع انقطاع التيار في ذروة الصيف والحر اللاهب. وقال حسين جبار، وهو مواطن من العاصمة بغداد، إن “الوضع بات لا يُحتمل، في وقت تلامس فيه درجات الحرارة الخمسين مئوية، فيما تستمر الانقطاعات لساعات طويلة، ولا تتجاوز ساعات التجهيز ثلاث ساعات مقابل نحو عشر ساعات من الانقطاع”.
وأوضح جبار أن هذا الخلل في الخدمة لم يعد يقتصر على الإنهاك الجسدي، بل امتد ليشكل ضغطًا نفسيًا يوميًا، فبعد يوم عمل مرهق لا تتوفر أدنى مقومات الراحة المنزلية، إذ تتوقف أجهزة التبريد والمراوح عن العمل، ويضطر الأطفال لتحمّل درجات حرارة قاسية داخل المنازل.
وأضاف أن الاعتماد على المولدات الأهلية بات عبئًا إضافيًا، ولم تعد قادرة على سد الفجوة، في ظل غياب أي رقابة حكومية على تسعيرة الأمبير، حيث يفرض أصحاب المولدات أسعارًا مرتفعة دون رادع، فيما يصل ما يدفعه المواطن شهريًا إلى أكثر من 25 ألف دينار للأمبير الواحد. من جهة أخرى، أكد المواطن ناظم عزيز، محافظة الأنبار، أن أزمة الكهرباء تحوّلت من حالة طارئة إلى واقع دائم وحالة مزمنة يصعب التأقلم معها، لا سيما في فصل الصيف.
وأشار عزيز، إلى أن الطلبة داخل المنازل يعانون من صعوبة في متابعة دراستهم، كما أن المواد الغذائية تتعرض للتلف داخل الثلاجات، ما يضطر العائلات إلى شراء حاجياتها بشكل يومي، وسط استنزاف مستمر للدخل المحدود.

تفاقم الأزمة
وحذر خبير في قطاع الطاقة، دريد عبد الواحد، من تفاقم أزمة الكهرباء في العراق مع دخول موسم الصيف، مؤكداً أن البلاد تواجه عجزًا كبيرًا بين الإنتاج والطلب، في ظل استمرار الاعتماد على الاستيراد وغياب استثمارات جادة في البنية التحتية.
وقال عبد الواحد، إن الطاقة الإنتاجية القصوى في العراق تصل إلى 32 ألف ميغاواط، لكن ما يُنتج فعليًا لا يتجاوز 20 إلى 28 ألف ميغاواط بسبب تقادم المحطات وسوء إدارة الشبكة الوطنية، مشيرًا إلى أن “الطلب الفعلي خلال الصيف الجاري يتراوح بين 35 إلى 50 ألف ميغاواط، ما يعني عجزًا يتراوح بين 15 إلى 20 ألف ميغاواط يوميًا”.
وأوضح عبد الواحد أن العراق يعتمد بشكل كبير على واردات الغاز من إيران التي تزود البلاد بـ50 مليون متر مكعب يوميًا، تُستخدم لإنتاج قرابة 7 آلاف ميغاواط، إضافة إلى واردات كهرباء مباشرة من إيران وتركيا والأردن قد تصل إلى نحو 1,000 ميغاواط، لكنه نبه إلى أن “أي انخفاض في الإمدادات الخارجية، كما حدث سابقًا، يهدد بانهيار المنظومة الكهربائية”.
ودعا الخبير إلى تنفيذ خطة طوارئ تتضمن تحرير ملف الغاز عبر تطوير الحقول المحلية في الجنوب وديالى بدلاً من الاعتماد على الاستيراد المكلف والمشروط سياسيًا، زيادة الاستثمار في الطاقة المتجددة، وإعادة هيكلة شركات التوزيع والنقل، وربطها بأنظمة ذكية تحد من الهدر الفني والتجاري، فضلاً عن تفعيل خطط التوعية لترشيد الاستهلاك.