بقلم د. محمد رحامنه/ الجامعة الأردنية
سبقت الإشارة في المقال الأول من هذه السلسلة إلى أن المحكمة الدستورية أصدرت مؤخرًا العدد الأول من مجلتها، وقد خصصته لما صدر عنها من أحكام وقرارات منذ إنشائها عام 2012 حتى نهاية العام 2024؛ أما الأحكام فهي ما صدر عن المحكمة عند ممارسة دورها في الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة، وأما القرارات فهي ما صدر عنها عند ممارسة دورها الآخر وهو تفسير النصوص الدستورية.
وقد تلقت المحكمة (55) طعنًا بعدم الدستورية، قبلت منها (13) طعنًا فأعلنت عدم دستورية النصوص محل الطعن، وردت ما سوى ذلك من طعون؛ إما شكلًا أو موضوعًا.
وحول النصوص التي قضت المحكمة بعدم دستوريتها فقد كانت في قوانين أو أنظمة؛ تم تعديل (6) نصوص منها، فيما بقيت (7) دون تعديل حتى الآن؛ فعلى سبيل المثال فإن المادة (72) من قانون ضريبة الدخل قضت المحكمة بعدم دستوريتها في عام 2018، ولم يتم تعديلها حتى تاريخ هذا المقال.
لكن، ما مصير تلك النصوص التي قضت المحكمة الدستوية بعدم دستوريتها؟
إن النص الذي تقضي المحكمة الدستورية بعدم دستوريته يصبح مفرغًا من قوته القانونية، ولا يجوز تطبيقه، على الرغم من وجوده المادي في التشريع، إلى أن يتم تعديل التشريع وإلغاء النص حسب الأصول؛ فحكم المحكمة الدستورية يفرغ النص من قيمته القانونية دون أن يلغي وجوده المادي.
من جانبه فقد جعل المشرع أحكام المحكمة الدستورية ملزمة “لجميع السلطات وللكافة” (المادة 59 من الدستور)، ولعل أبرز تطبيقات هذا النص الدستوري تعديل النص الذي قضت المحكمة بعدم دستوريته.
إن الأمر لا يقف عند حد إلغاء الوجود المادي لتلك النصوص، فقد يتم استخدام تلك النصوص والسعي نحو تطبيقها، وفي ذلك إهدار لحكم المحكمة الدستورية ودورها في الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة، فعلى سبيل المثال استندت النيابة العامة الإدارية في إحدى الدعاوى على المادة (11/ج) من قانون الأسماء التجارية لرد الدعوى شكلًا، فجاء رد المحكمة الإدارية: “وحيث إن المحكمة الدستورية وبقرارها رقم 7/2013 … قضت بعدم دستورية الفقرة (ج) من المادة (11) من قانون الأسماء التجارية … بناءً عليه فإن من حق المستأنفة الطعن بقرار المستأنف ضده … مما يكون معه أن الدفع واقع في غير محله ومستوجب الرد” (المحكمة الإدارية في القضية رقم 284/2019).
وعليه؛ ولضمان وضع النص الدستوري سالف الذكر موضع التطبيق، لا بد من تعديل النصوص التي قضت المحكمة بعدم دستوريتها، وإعلاءً لحكم المحكمة الدستورية فقد يكون من الأفضل دعوة مجلس الأمة إلى الانعقاد في دورة استثنائية لإجراء التعديلات اللازمة على القوانين التي قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية بعض نصوصها، وفي السياق نفسه يتعين على مجلس الوزراء إجراء ما يلزم من تعديلات على الأنظمة التي حوت النصوص التي قضت المحكمة عدم دستوريتها.
من جهة أخرى، وحتى لا تتكرر مسألة التأخر في تنفيذ حكم المحكمة مستقبلًا فقد يكون من المناسب أن يعهد إلى ديوان التشريع والرأي بمتابعة أحكام المحكمة الدستورية وتجهيز مشروعات القوانين والأنظمة اللازمة فور صدور تلك الأحكام.