المعلم أولاً… خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكن لماذا كل هذا التأخير؟

1 يونيو 2025
المعلم أولاً… خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكن لماذا كل هذا التأخير؟

بقلم ا د هاني الضمور

في الوقت الذي يشهد فيه العالم تحولات متسارعة في التعليم، وتُعاد فيه صياغة أولويات التنمية على مستوى الدول، تبقى مكانة المعلم هي المؤشر الأكثر صدقًا على جدّية أي مشروع إصلاحي. فالحديث عن تحديث المناهج، وتطوير المدارس، والتحول الرقمي، سيظل ناقصًا ما لم يُقرَن بتمكين المعلم، ماديًا ومعنويًا، بوصفه الركيزة الأولى لأي تغيير حقيقي.

من هنا، جاءت زيارة رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان إلى وزارة التربية والتعليم لتمثل تحولًا لافتًا في الخطاب الرسمي تجاه المعلم، ليس من حيث الكلمات فقط، بل من خلال ما تضمنته من قرارات عملية طال انتظارها. فقد لمسنا في كلماته إقرارًا واضحًا بأن المعلم كان غائبًا عن أولويات الحكومات المتعاقبة، وأن هناك فجوة كبيرة تراكمت عبر السنوات، آن الأوان لسدّها.

الرئيس لم يكتفِ بالاستماع، بل أرسل رسائل مطمئنة بأن الملف قد فُتح على مستوى القرار السياسي الأعلى. من تخصيص أراضٍ لإسكان المعلمين في المحافظات، إلى تسريع صرف السلف المالية المتأخرة من صندوق الضمان، ومرورًا بتوفير تمويل ميسر طويل الأمد، ووصولًا إلى إعادة النظر في مكرمة أبناء المعلمين وتوسيع شمولهم في المنح الجامعية وبعثات الحج… كلها مؤشرات تقول إن هناك تحولًا حقيقيًا بدأ يتبلور.

لكن، وبين السطور، يبرز سؤال لا يمكن تجاهله: لماذا الآن؟ وأين كانت كل هذه المبادرات طيلة العقود الماضية؟

لا شك أن هذه الخطوات إيجابية ومبشّرة، لكننا لا نستطيع أن نغض الطرف عن سنوات التجاهل التي عاشها المعلم الأردني بصبرٍ لا يُصدّق. فهل كان ملف المعلم غائبًا عن رادار الحكومات؟ أم أن الصوت لم يكن يُسمع؟ أم أن الأولويات ببساطة كانت في مكان آخر؟

إن كثيرًا من هذه القرارات لم تكن بحاجة إلى لحظة استثنائية، بقدر ما كانت تحتاج إلى إرادة سياسية صادقة، وفهم حقيقي لطبيعة الدور الذي يلعبه المعلم في نهضة الدولة. المعلم لم يكن يومًا عبئًا على الموازنة، بل كان ولا يزال مفتاحًا لكل استثمار مستدام في العقول، والقيم، والتنمية الوطنية.

ما قاله رئيس الوزراء من أن “لا معنى ولا مستقبل للتحديث دون تعليم متطور” هو كلام دقيق وعميق. ولكن، لا تعليم متطور دون معلم يشعر أنه جزء من هذا التحديث، لا مُجرد منفّذ له. فالمعلم الذي ينشغل بالراتب، والسكن، والديون، لا يمكنه أن يركّز على الإبداع، أو أن يحرّك العقول نحو التفكير، أو أن يكون قدوة في زمن تتكاثر فيه التحديات وتتشظى فيه القيم.

كذلك، فإن الإجراءات المتعلقة بالبنية التحتية المدرسية، وصيانة المدارس، وبناء أخرى جديدة، هي جزء من معادلة أكبر يجب أن تشمل البيئة التعليمية الكاملة، بدءًا من المدرسة، مرورًا بالإدارة، ووصولًا إلى الطالب. ولكن في قلب هذه الدائرة، يبقى المعلم هو الحلقة الأهم التي يجب أن تتلقى الدعم أولًا وباستمرار.

من المهم هنا أن نشيد بما أعلنه الدكتور حسان، لا بوصفه إنجازًا حكوميًا يُحتفى به، بل بوصفه بداية لتصحيح مسار تأخر كثيرًا. ومن الواجب أن تُترجم هذه التوجهات إلى سياسات دائمة، لا ترتبط بوجوه المسؤولين أو ظروف بعينها، بل تُبنى كأركان ثابتة في استراتيجية الدولة التعليمية.

إن المعلم لا يطلب المستحيل. ما يطلبه هو الاحترام، والتمكين، والبيئة التي تتيح له أداء رسالته بكفاءة وكرامة. وقد آن الأوان لأن نتوقف عن التعامل مع قضاياه كمجرد ملفات “مطالب” تُفتح في أوقات محددة، بل أن نبدأ برؤيتها كجزء لا يتجزأ من الأمن الوطني التربوي، الذي لا يقل أهمية عن أي قطاع حيوي آخر.

واليوم، وبعد أن كُسر هذا الصمت الطويل، نأمل أن تكون هذه الخطوة بوابة لمرحلة جديدة، تُبنى فيها السياسات من قلب المدرسة، وتُصاغ فيها القرارات بروح من يقف يوميًا أمام السبورة، لا فقط من يجلس خلف المكاتب.

لأننا إن أردنا مستقبلًا مشرقًا، فلا بد أن نبدأ بمن يعلّمه.
والمعلم، ببساطة، هو البداية الصحيحة لكل شيء.
ا د هاني الضمور