بقلم د. محمد عبدالله القواسمة
كان في تلك الفترة بعد تخرجه في الجامعة يبحث عن عمل، عندما اتصل به صديقه، يخبره بأن سعادة السيد علي المنصوري، أحد المساهمين الكبار في جريدة “أنوار الحقيقة” التي يعمل فيها يبحث عمن يراجع كتابه ويدققه قبل أن يقدمه للنشر، وقال إنه لم يجد خيرًا منه لهذا العمل، فرشحه له. وأضاف بأن الرجل كريم، ويقدر للآخرين جهدهم.
أجابه بأنه يرحب بذلك؛ فهو يوطد علاقته بالسيد علي، وربما يجد له عملًا في الجريدة، كما يعمق علاقته بصديقه، والأهم يعيد إليه الثقة في نفسه، بأنه قادر على التواصل مع الكتابة والحياة والناس، بعد المدة الطويلة التي قضاها دون عمل.
في اليوم نفسه اتصل به السيد علي، وطلب منه الحضور إلى مقر الجريدة ليسلمه مخطوط الكتاب. وأعلمه عندما التقيا بأنه يتقبل النقد؛ ليأتي الكتاب خاليًا من العيوب اللغوية والفكرية والفنية.
بعد أيام أعاد إليه المخطوط، وقد امتلأ بالخطوط الحمراء والتعليقات الكثيرة. صاح وهو يقلبه:
– كل هذه الأخطاء ارتكبتها؟ لم أعد أعرف الكتابة! كنت أكتب قبل أن تأتي إلى الحياة. أين صديقك الذي دلني عليك؟ على كل حال، سأتصل به لأشكره على هذا التدمير الذي ألحقته بكتابي.
سرى الغضب في دمائه، وعزم أن يصارحه:
– كتابك مقالات صحفية في السياسة والاجتماع قليل الفائدة، طافح بالحشو والتكرار. على كل حال هذا ما رأيته. لك أن تأخذ به أو ترفضه. كلنا خطاؤون.
عندما التقى بصديقه لامه على شدة نقده:
– كنت أظنك تأخذ الأمر بفهم صحيح للواقع، بأن تشير إلى أخطاء قليلة، وينتهي الأمر؛ ليعطيك الرجل مبلغًا من المال تسد فيه متطلبات الحياة، ومن ثم تنفتح لك أبواب الرزق. لقد أفسدت علاقتي بهذا الرجل. سامحك الله! كيف توفق في الحصول على عمل، وأنت بهذه الصفات الحنبلية؟ سأتصل به لإصلاح ما أفسدته، ثم نرى كيف نتدبر الكتاب.
بعد مدة قصيرة اتصل صديقه به، ورجاه أن يلتقي بالسيد علي. أدرك بأنه يعترف بصحة رأيه، وصواب ما صحح، وأنه لا يقدر على إكمال العمل وحده. رفض رجاءه، وقال إنه لا يرغب في رؤية السيد مرة أخرى. لكن صديقه ألح عليه، وصارحه بأنه يخشى على وظيفته منه. فوافق بشرط أن يعتذر على إساءته له.
لم يتوقع أن يعتذر السيد منه، ولكنه فوجئ باتصاله ورجائه بأن يلتقيا عنده في البيت؛ كي يراجعا معًا التصحيحات والملاحظات كلها، وينتهيا من الكتاب في أقرب وقت.
التقيا في نهاية الأسبوع بداية النهار، ولم يناقشه في أية ملاحظة أو تصحيح، حتى أتم تهيئة الكتاب، وإعداده للنشر، ولم يتبق غير الغلاف.
شكره السيد، وطلب منه مراجعة صديقه، ثم اتصل بمكتب سيارات أجرة لتقله إلى بيته، دون الاستئذان منه أو إعلامه بذلك.
وصل إلى البيت وهم بالنزول، قال السائق:
– الأجرة خمسة دنانير..
سأل بدهشة:
– والسيد علي الذي اتصل بمكتبكم؟
– ترك الأمر لك.
– لو ترك الأمر لي لما جئت بسيارة أجرة. (ثم أخرج ما في جيبه) سامحني يا أخي ناقصة دينار!
تناولها:
– ليلة نكدة!
ظل صامتًا.
اتصل بصديقه في منزله وفي الجريدة. كان الرد بأنه غير موجود. اتصل بالسيد علي، فأغلق الخط في وجهه