فقدان الثقة بالإدارة العامة ،،،

دقيقة واحدة ago
فقدان الثقة بالإدارة العامة ،،،

بقلم الدكتور رافع شفيق البطاينة
منذ عقود ونحن نتحدث عن التطوير والتحديث والإداري ، ونسمع تصريحات المسؤولين عن إنجازاتهم في التحديث والتطوير الإداري ، والتحول الالكتروني والرقمي ، ونطرب لها، ونقلب وزارة الإدارة العامة بين وزارة التنمية الإدارية تارة، ووزارة تطوير القطاع العام تارة أخرى ، ووزارة التطوير المؤسسي تارة ثالثة ، وبعد ذلك تم إلغائها وتحويلها إلى وحدة للتطوير المؤسسي في رئاسة الوزراء ، ثم إلغائها، ونعود إلى المربع الأول من جديد إلى إعادة وزارة تطوير القطاع العام ، ونتحدث على نظام تعيين القيادات الإدارية ، وفي كل حكومة جديدة يتم تعديل هذا النظام ، ويترك بند مفتوح يسمح للحكومة بالتعيين المباشر لبعض الوزارات أو المؤسسات دون اللجوء إلى إعلان المسابقة ، كما ويطربونا بمصطلح النزاهة والشفافية في اختيار الكفاءات للمواقع القيادية أو التعيينات في الوظائف العادية، وكل يوم نسمع عن تعيينات مباشرة بعقود دون اللجوء لفتح باب المنافسة، ومن هذه التعيينات في رئاسة الوزراء ، وفي وزارة تطوير القطاع العام ، التي تتولى ملف التحديث الإداري ، تحدثت سابقاً بضرورة إلغاء هذا النظام واللجوء إلى استخدام الحكومة صلاحياتها وولايتها العامة بالتعيين مباشرة، لأن الثقة معدومة في موضوع المسابقة للتعيين من قبل الشارع العام ، حيث أن أسماء الذين سيتم اختيارهم للمنصب أو الموقع المطلوب ينتشر قبل إجراء المقابلات ، وعند صدور قرار التعيين باختيار الشخص يكون الإسم مطابقا لنفس الشخص الذي تسرب إسمه للتعيين، وبعضهم لا يكون الشخص الكفؤ أو الأهل لهذا الموقع ، قرأنا العديد من الاحتجاجات لأشخاص تم استثناء أو استبعاد طلباتهم وهم من ذوي الخبرة والكفاءة ومن أبناء الوزارة أو المؤسسة ذو الخدمة والخبرة الطويلة ، ثم نسمع عن موظفين تم زيادة رواتب عقودهم في مؤسسات تدريبيه تابعة لوزارة تطوير القطاع العام على حساب رواتب أقرانهم الموظفين الأصليين بالرغم من طول خدمتهم وخبرتهم وكفائتهم وأنهم تعينوا وفق الأصول المعتمدة من ديوان الخدمة المدنية ، وليس بالبراشوت أو بالواسطة والمحسوبية ، لا وبل تم تخفيض مكافآتهم، وأخذوا مواقع قيادية على حساب الموظفين الأصليين في الوزارة أو المؤسسة ، ثم نسمع عن موظفين ممن بلغت خدمتهم ثلاثون عاما وتم التمديد لهم ، وهذا الموضوع منتشر في وزارة سيادية على الرغم أن التمديد لهم لا يقدم ولا يؤخر بالنسبة لعمل الوزارة لأن عملهم إداري والبديل لهم متوفر بكثرة وبالعشرات، وأن التمديد يكون مزاجيا ولذوي الحظوة والواسطة، لأن هناك العديد ممن بلغوا خدمة الثلاثين عاما ولم يتم التمديد لهم وأحيلوا على التقاعد مباشرة، ثم نسمع عن تبسيط الإجراءات الإدارية في بعض المؤسسات وسرعة إنجاز المعاملات ، وقد رافقت أحد الأصدقاء إلى منطقة أبو نصير في أمانة عمان للحصول على براءة ذمة ودفع كافة التزاماته المالية بموجب كتاب محول من مؤسسة الإسكان إلى منطقة أبو نصير ، ليتفاجأ بضرورة مراجعة دائرة الأمانة في العبدلي ، وبعد الاستفسار قالوا له اذهب إلى الأمانة الرئيسية في رأس العين من أجل ختم المعاملة فقط، وبعد مسير عشرين كلم تفاجأ أن ختم المعاملة يتم في العبدلي ، لكن الموظف كان متساعدا وقام بإنجاز المعاملة عبر الهاتف مع العبدلي ، والرجوع ثانية إلى منطقة أبو نصير للحصول على كتاب براءة الذمة ، فاستغرقت المعاملة يومين من أجل ختم فقط ، وصديق آخر تم الطلب منه الذهاب الى محافظة إربد من أجل الحصول على نسخة مصدقة من طلبه ، بمسافة 190 كم، تخيلوا يا هداكم الله ، ويتحدثون عن الربط الإلكتروني والتحول الرقمي وتبسيط الإجراءات ، والتحديث الإداري ، وهذا غيض من فيض وعلى سبيل المثال لا الحصر ، إذا كيف سنعيد الثقة بالإدارة العامة ونتغنى بالتحديث الإداري ، وفي الواقع لا نجده أو نلمسه، وستبقى دائرة ترخيص المركبات في مديرية الأمن العام النموذج المتقدم في التطوير والتحديث والإزدهار الإداري الذي نعتز ونفتخر به ، هذه الدائرة التي تجدها في كل مكان وتعمل حتى ساعات متأخرة من الليل في بعض المواقع مثل المبادرة التي أطلقتها دائرة الترخيص مؤخراً لإيجاد دائرة ترخيص متنقلة في حدائق الحسين لتنجز معاملتك وحتى بعد ساعات الدوام الرسمي وخلال دقائق محدودة وبإحترام وابتسامة من الكوادر العاملة لديهم العين الساهرة نشامى الوطن، ونرفع لهم وللدائرة القبعات ونؤدي لهم التحية ، وخلاف ذلك يبقى التحديث الإداري مجرد تعديل تشريعات وورش عمل ومؤتمرات داخل الغرف المغلقة ، حتى التشريعات كلها تركز على رقابة وتقييم أداء الموظفين ، ولا تركز على تقييم أداء القيادات الإدارية ، وتصريحات إعلامية نطرب لها ، إذا ما استثنينا مراكز الخدمات الحكومية الموحدة في المحافظات ، فالتطوير والتحديث الإداري الحقيقي يبدأ من تعيين القيادات الكفؤة التي نالت موقعها بجدارة ونزاهة، وتجديد القيادات الإدارية التي طال أمدها سنوات طوال ، فشطف الدرج يبدأ من أعلى الدرج إلى الأسفل ، وليس من الأسفل إلى الأعلى ، والسؤال المطروح كيف ومتى سيتم استعادة الثقة بالإدارة العامة إذا ما تم الاستمرار بهذا النهج ، طبعاً هذا المقال وهذه الملاحظات ليس موجهه إلى هذه الحكومة أو إلى حكومة بعينها ، وإنما لكل الحكومات التي تعاقبت منذ عقد من الزمن منذ بدء مسيرة التطوير والتحديث الإداري، وللحديث بقية.