ألوان تُجَسِّدُ التاريخ وتُعانِقُ السماء

16 أبريل 2025
ألوان تُجَسِّدُ التاريخ وتُعانِقُ السماء

في السادس عشر من نيسان من كل عام يرفع الأردنيون رؤوسهم نحو السماء مُحَيِّينَ راية الوطن التي تَخْطُفُ الأبصار ببهاء ألوانها وتُذَكِّرُهم بأنهم أبناء تاريخ عريق وحُماة رسالة خالدة. فالعلم الأردني ليس مجرد قطعة قماش ترفرف في الهواء بل هو حكايةُ أمةٍ مُصْغِرةٌ في ألوانها ورمزٌ يُلَخِّصُ قِيَمَ الوحدة والحرية والشجاعة التي نَحْتَفِي بها.
بحروفٍ من نور تُكْتَبُ على جَبِينِ الزمن نسجت ألوان العلم ليَحْمِلَ العلم الأردني في طياته رموزًا تَتَشَبَّثُ بجذور التاريخ العربي حيثُ يَجْتَمِعُ الأسود والأبيض والأخضر مع مثلثٍ أحمر يُشْبِهُ قلبًا نابضًا فوق صدر الراية حيث لكل لون رمزيته
فالأسود: يُمَثِّلُ رايةَ العباسيين، رمزًا للقوة والثبات في مواجهة العواصف، وتَذْكِيرًا بأن الأردن وِجَادَةُ الصمود أمام التحديات.
والأبيض: لون راية الأمويين، ينطق بالسلام والنقاء، ويُجَسِّدُ سَعْيَ الأردن الدائم لِأنْ يَكُونَ واحةَ أمانٍ في قلب المنطقة المضطربة.
والأخضر: راية الفاطميين، لون الأرض الخصبة والأمل المُزْهِر، يُرَسِّخُ فِكْرَةَ أن المستقبل يُبْنَى بالإيمان والعمل.
أما المثلث الأحمر: شعار الثورة العربية الكبرى يَصُبُّ دمَ التضحيات في شرايين الراية ويُذَكِّرُ بأن الحرية ثَمَنُها الدماء وأن الهاشميين حَمَلَةُ مشعلها عبر الزمن.
وتأتي قصيدة الرفاعي نَشيدٌ يُلَاحِمُ السَّمَاء
فعندما تَنْثُرُ الألسنةُ قصيدةَ عبد المنعم الرفاعي كأنما تَسْتَنْطِقُ روحَ العلم التي تَحُومُ فوق هامات الرجال
“في الذرى والأعالي فوق هام الرجال… زاهيا أهيبا”.
هذه الأبيات ليست كلمات تُتْلَى، بل هي نَشيدٌ وَطَنِيٌّ يَخْتزِنُ في إيقاعه دَمْعَةَ الأجداد وصَرْخَةَ الثوار. فالرفاعي بِشِعْرِهِ المُرَهَّف صاغَ عَلاقةً وجدانيةً بين المواطن ورايته فالعلم هنا “ساجيًا طيبا” كالندى و”ظافرًا اغلبا” كالبطل الذي لا يُهزَم.
فالعلم الأردني رايةٌ لا تَنْكَبُّ للرياح وهو جسرٌ بين ماضي الأمة المجيد وحاضرها الواعي، ففي كل خيطٍ من نسيجه حكاية جهاد وفي كل لونٍ بصمةُ إباء. إنه يَصْدَحُ بِقِصَّةِ الثورة العربية الكبرى التي أضاءت دربَ الوحدة ويَحْمِلُ في طياته وَعْدًا بأن الأردن سيظلُّ منارةً للعروبة وقِبْلَةً للكرامة. في زمن التحديات يَظَلُّ العلمُ شامخًا كجبل رم وشيحان، يُلهم الأردنيين بأن يصمدوا كَبلوط عجلون ، ويُذَكِّرُهم بأنهم ورثةُ رسالةٍ لا تموت، فحين تُرَفْرِفُ الرايةُ في سماء الوطن، فإنها تَخْطُبُ في العالم بلغة الصمود “هنا أرضٌ لا تُساوم، وشعبٌ لا يستكين”.
يوم العلم ليس مجرد طقسٍ سنوي بل هو مُنَاجَاةٌ وَطَنِيَّةٌ تُجَسِّدُ التلاحم بين أبناء الوطن. فكما تَتَشَابَكُ ألوان العلم لتُكَوِّنَ لوحةً واحدة يَجْتَمِعُ الأردنيون على اختلاف آرائهم تحت مظلة الهوية الواحدة ، هنا يُصبح حبُّ العلم تعهدًا بالولاء وتحديًا لِأَنْ نَبْقَى أُمَّةً “في الذرى والأعالي” نَحْمي حِياضَ الوطن بِقَلْبٍ وَاحِدٍ وَيَدٍ ممدودةٍ للعطاء.
فليكن السادس عشر من نيسان يومًا نُعيد فيه تلوين وجداننا بِصِبْغَةِ الانتماء ونرفع الأعلامَ عاليًا كأنها تُحَاكِي السحاب ولتظل كلمات الرفاعي تَدُقُّ في أذن الزمن
“سر بنا للفخار والعلا… وارعنا للنضال جحفلا”.
فالأردن بِرايته وقيادته وشعبه سيظلُّ بإذن الله “زاهيًا أهيبا”، يُرَاوِحُ بين أصالة الماضي وطموح المستقبل، ويَحْفَظُ رايته خفاقةً.
حفظ الله الأردن وأبقى رايته شامخةً إلى يوم يبعثون.

الدكتورة دهمه الحجايا