بين يقظة الأمن وتحديات الداخل: الأردن أمام امتحان الوعي والانتماء

منذ 33 ثانية
بين يقظة الأمن وتحديات الداخل: الأردن أمام امتحان الوعي والانتماء

بقلم: لؤي البشير

لم يكن صباح اليوم عادياً في الأردن، وهو يشهد الكشف عن تفاصيل واحدة من أخطر المخططات التي كادت أن تمس أمنه الوطني واستقراره الاجتماعي. ما أعلنه وزير الاتصال الحكومي، وما بثته الجهات الأمنية المختصة عبر تسجيلات مصورة واعترافات موثقة، لا يمكن التعامل معه باعتباره خبراً عابراً، بل هو جرس إنذار يجب أن يقرع في الوعي الجمعي، وفي مؤسسات الدولة والمجتمع على حد سواء.

القبض على خلية ضمت 16 شخصاً تورطوا في أنشطة غير مشروعة بدأت منذ عام 2021، لم يكن فقط نجاحاً أمنياً، بل ترجمة مباشرة ليقظة مؤسساتنا وحنكة أجهزتنا في التعامل مع التهديدات المعقدة التي قد تتغذى على واقع إقليمي مضطرب، أو على هشاشة فكرية داخلية تُستغل من جهات خارجية لزرع الفوضى.

لكن خلف هذا النجاح، علينا أن نتوقف أمام الأسئلة الكبرى: كيف ولماذا يجد البعض في محاولات التخريب والانحراف ملاذاً؟ هل هو خلل في بنية المجتمع أم فراغ في خطابنا الوطني الجامع؟ وهل أُتيح لهم هذا المجال لأن هناك مساحات تُركت فارغة من الوعي، ومن التربية على المواطنة، ومن الإيمان بأن الدولة ليست عدواً، بل مظلة تحمي الجميع؟

الاعترافات التي بثها الفيديو الرسمي أظهرت تفاصيل دقيقة حول تصنيع صواريخ قصيرة المدى وطائرات مسيرة وتجنيد عناصر بطرق غير مشروعة، بل واستخدام منشآت صناعية متطورة ومموهة داخل المدن. ما تم العثور عليه من نماذج لصواريخ مشابهة لـ”غراد” بمدى يصل إلى 5 كم، يعكس أننا أمام مشروع متكامل كان يستهدف زعزعة الاستقرار الداخلي.

هنا لا بد أن نُدرك أن أمن الدولة لا يقوم فقط على السلاح واليقظة الاستخباراتية، بل أيضاً على بناء مناعة داخلية، عبر التعليم، والإعلام، والخطاب الديني، والثقافة السياسية. ولا بد أن نضع هذه الأحداث ضمن سياق أوسع يعترف بأن قضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، قد تُستغل من قبل البعض لبث أجندات تخريبية لا تمت للحق ولا للمبدأ بأي صلة.

الأردن، بقيادته الحكيمة وأجهزته الأمنية، لطالما كان في طليعة الدول المدافعة عن الحق العربي، لكنه في ذات الوقت حريص على أن لا تُختطف قضاياه النبيلة من جهات تحاول العبث بأمنه باسم المقاومة، أو إشعال الداخل بزعم النُصرة.

هنا يكمن الفرق بين الدولة التي تحمي وتتبنى، والدعوات التي تهدم باسم المبدأ. فالوطنية ليست شغباً ولا تخريباً، والانتماء لا يُقاس بالصوت العالي بل بالفعل العاقل.

لقد آن الأوان أن تُفتح حوارات وطنية جادة داخل الجامعات والمدارس والمؤسسات، حوارات تعيد تعريف “الولاء والانتماء” كقيمة واعية، وتُجيب عن أسئلة الشباب، بدلاً من تركهم نهباً لأفكار مشوهة ومضللة.

نعم، إن الإنجاز الأمني اليوم يجب أن نفتخر به، لكن ما بعده يجب أن يكون مراجعة شاملة لخطابنا الداخلي، وثقافتنا الوطنية، وقدرتنا على احتضان أبنائنا فكرياً لا فقط أمنياً.

لأن من يعتقد أن التهديد لأمن الأردن يأتي فقط من الخارج، لم يُحسن قراءة واقع يتغير بسرعة… واقع لن نصمد فيه إلا إذا كنا يداً واحدة، ووعياً واحداً، وقلباً مؤمناً بأن هذا الوطن أغلى ما نملك